كنت أتردد كل يوم وأرجئ الكتابة ، كنت أتساءل : وماذا إن رحلت ؟ لكني أدركت أن الأهون علي أن أتوقع لي مكانة عندكم تستوجب أن أودعكم .. أدركت أن هذا أهون علي من فهم أنه لا قيمة لهذا الوجود أو عدمه ، ربما هو ظمأ القلم .. أو هو الارتباط بمكان كان جزءا من حياتي ذات سنين . أذكر قدومي الأول عندما كنت ألتصق بمن أعرفهم وأستأنس بوجودهم ، بينما الغالبية العظمى وجوه جديدة بالنسبة لي . وكنت كأي طفلة تخشى الغرباء أفر وأختبئ ، وأتمنى ألا يبدو طرف ثوبي من حيث أختبئ فيفطن أحدهم لوجودي هنا ، وأقرأ آية الكرسي كلما نشرت بضعة حروف لعلها بحول الله تغدو خاطرة ذات معنى . ثم غدت الواحة بيتي و كانت بحق واحة الكترونية ضمتني مع كثيرين ممن أحب وأقدر ، أحببت كل هذه الطيبة والأخوة حتى لو لم تكن بيني وبينكم ، لكني كان يكفيني أن أجد الجميع أخوة مترابطين وأرى حواراتهم ومزاحهم وجدهم ، لكم أسعدني كل إنجاز فرح به أحد أهل هذه الواحة ، وكم ليلة سهرت أدعو لمن مسه كرب أو أضناه ألم . ربما لم أكن أختا مثالية ولم أكن قريبة من أحد هنا كما يجب ، وربما كانت هذه البتلة الذابلة قد مرت بإحد جوانب الواحة تحمل اسم غموض ثم هاهي ترحل وهي تحمل ذات الاسم وتحمل معه محبة عظيمة لكل روح تحيا هنا ، دون أن تترك وراءها أي أثر أو معنى ، لكنني بكل تأكيد أحمل في قلبي ألف أثر وألف معنى نثرته الواحة فيّ بسخاء أخوي . عرفت القلة معرفة شخصية .. وأشك في قدرتي على توديعهم مباشرة ، لذا كم أتمنى لو يعذرونني جميعا ويعتبروا هذه الكلمات وداعا لهم أيضا ؛ فأصعب الجرح ذاك الذي تشقه المباضع مرة إثر أخرى . تثور في أعماقي رسائل كثيرة أود توجيهها لكثيرين هنا لكنني أخشى أن أسهو وأنسى فتغيب عني إحداهن وأخص البعض بحق الكل ، لذا سأحتفظ برسائلي تذكرني بكم كل حين ، وتلهب قلبي كلما ألهبني الشوق بتراقص ناره . هي الحياة : أحببت من شئت فإنك مفارقه . فقط لدي بضعة كلمات لبعض من أكون ظالمة بحق لو لم أكتب لهم :
- كلمة لفتاة وأستاذة تعرفُ من هي : أحب قلمك و لا زلت و اعذري انقطاع أخيتك فما كان ذاك بيدها ، إن عدتُ يوما فإني أرجو أن أجتمع بك كما عرفتك رقيقة فاضلة وأختا خيّرة . لا تبخلي بأخبارك .
- كلمة لأستاذ فاضل و قلم إسلامي راقٍ : لو أننا نبحث عن الرجال في عصرنا هذا لنجدت هذه الأمة ، فهكذا يكون الرجال . شكرا لأنكم تحفظون لنا الكبرياء و تقومون بما أمر به الله ، و شكرا لأنكم مثال حي لكل من تخاذل ، و شكرا لأنكم صورة نضعها أمامنا و نسأل أنفسنا : أين نحن ؟ وفقكم الله و بارك فيكم .
- كلمة لأخت رحلت عنكم و عني دون وداع ولعلها لن تقرأ هذه الكلمة : أتذكرين عندما كنت تقولين : ستظل أمواجك يا غموض تعانق هذه الواحة ؟ ها أنا ذا أرحل كما رحلتِ ، من يا ترى سيلحق بي ؟ إن عدتِ يوما أرسلي لي .
- كلمة لإنسان وشاعر يعرف من هو : كنت تقول أنني واهمة ، وأنني أؤمن بما لا يؤمن به عاقل ، وأنك أدرى الناس بذاتك . لكنني سأظل أقول أنني أؤمن بك . فادع لأختك كما تدعو هي لك ولا تبخل برسالة .
- كلمة لفاضلة ظلت تتابع من بعيد : لطالما توادعنا وتواصينا بالدعاء ، واليوم رحلت بنا الأيام بعيدا دون وداع ، فأنا أوصيك .. ادعي لي أيتها الكريمة بكل الخير و لا تنقطعن عني أخبارك .
- كلمة لكل أخت وأخ هنا : شكرا لكل تشجيع منحتمونيه ، وشكرا لكل درس تعلمته منكم ، وشكرا للدفء الذي غمرني بينكم . إن رأى أحدكم الضباب يوما أو أبصر سوادا عن بعد .. فليدع لغموض بخير .
سأندم على كل لحظة لم أستغلها معكم ، وأحن لكل لحظة قضيتها بينكم ، كما يشتهي الراحلون لو يقضون لحظة إضافية بين أذرع من يحبون . و أظل أحار فيما أحفظه لدي كما يتحير الراحل بغتة بين ما يترك ويأخذ ، ثم يغرق رويدا رويداً دون أن يحمل إلا قلبه . وهذا قلبي أذره بينكم .. وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه . لعل الله يجمعنا في ظل عرشه أخوةً في الله .
أختكم في الله ..
غموض