في تلك الليلة..هواء الشارعُ مبتهجاً, ترصعُ العتمةُ أعمدةَ الكهرباء, لا صوت للبكاءِ ينسكبُ من أسفلِ الجدران, لا شيءَ يلمعُ في المدى سوى عيني, أمعن النظر في تفاصيلِ الشارعِ بدقةِ ( مهندس )..الرصيفُ مرتفعاً قليلاً ومنحدراً كأنهُ سَهْل, ثمةَ سوادٍ متبعثرٍ على وجهِ الإسفلت..مربعاتٌ ومثلثاتٌ نُحِتَتْ في جوفِه وكأنَ أستاذ الرياضات إستعان بهِ كثيراً.
أدرتُ وجهي إلى مكبِ النفاياتِ الشامخُ على وجنة الطريق, فوجدتهُ فارغاً كفراغِ عقلي الأن, فتمطرُ الأسئلةُ على ذاكرتي كسيلِ ماء, أين النفايات ؟
هل أصحاب المدينة نظيفون إلى ذاك الحد !
فيقطعُ السيل صوتُ صدى ( الجردل الكبير ) : ها هي النفاياتُ أمامي..أصحابُ المدينةِ لا يحبونَ إزعاجي ( ناس متخلفة بعيد عنك )..
فأضحكُ ضحكةً عابرةً وأكمل السير وحدي أرقابُ ظلي وأنثرُ على حطامِ النهارِ كل أوجاع النهار, النجومُ تؤنسُ وحدتي, والمسافة بين نجمةٍ وأخرى كالمسافة بين يوسف وإخوته.
يعكرُ صفاء حلمي إحدى المثلثات المنحوتةُ على الإسفلت, حين أعاقَ أصبع قدمي الصغير, فأفيقُ بعد أن ألعنَ الكهرباء و أصحاب البلدية, فيطوفُ في رأسي ما كنتُ أفعلهُ قبل قليل..
فاستدركُ ذاتي..هل كان مكبُ النفايات يقصدني ؟!