صوتٌ في الظل
صَوت طِفل .. صَوت طِفل هو ماكنُتُ استيقظُ عليه يومياً .. مثل المشاعر التي أرتديها حين أكتب عنه .. لم أكن متزوجة ولم أبلغ بعد عمراً ما لأميزه عن بقية الأعوام فالأيام بالنسبة لي متشابهه وعمري مختبىء خلفها عني ، عربي زوجوني بالعنوسة,, أو بكرات أخرى متطايره و ملقاة في مرمى مقطوع الشباك إنني وبلافخر أرمى في كل مجلس نسائي أجلس على حافته بقذائف رمادية تجعلني أتلاشى لا ارادياً من أشياء لم أخترها,,فأنا لم أختر اخوتي ولا أبي ولا قبيلتي ولم أختر حتى نفسي ولا لوني ولا حتى تخصصي بالجامعة ولا حتى ذكرياتي وتعاملي معها كلها أشياء ورثتها من أشياء لا أعرفها
حتى هذا المجتمع ..غريب وفضولي ومريض .. هذا الاسم المهلهل الذي يتسع وجهه لكل المسميات ينعتني يوماً بالفتاة في منزل اهلي والمواطنه في حضن وطني والمقيمة على ثرى الآخرين والعانس في ترمومتر الزواج والبيضاء في خيبة الألوان والكاتبة عند صرخة الكلمات والمتحدثة عند استسلامها والمتسوقة في ابتياع مشاعرهم والمشاهدة لعبث ِ التفاصيل,, اكتشفت انني لا أحمل ذاتي وحدها ولا أحمل حتى وجهي فيما اراه لا الأنف ولا العينان ولاأي شيء من هذة التفاصيل بت اصدقه أحتاج الى دليل على مسمياتهم .. أحتاج الى اثبات لأتيقن تماماً هل تحيا بداخلي معدة حقيقية أم أنها مجرد نعجة ألحقوها بي ونهبوا مني شيئاً آخر ، إنني في الحقيقة أحتاج إلى عدة أدلة كي أدينهم
أوليست الحياة كلها محكمة للإدانة .. وكوكباً للاختباء من عفنِ الحكايات ثم الارتواء من مدخرات كواكب أخرى كمشتري قديم أو زحل عاشق أو عطارد خائن بارد ورخيص !! ..
هذا المجتَمع غريب حَتى فِي كِتابة أيامِه ، يُلوِّن البعض ويوسخ أخرى بِقُمامةِ التفاصيل ، يٌعطِّر شيئاً مِنها مع أنَّ رائحتها نفاثَّة وهي في الحقيقة ليست إلا عرقاً مجفَّفا ومنتِناً !
في داخلي مدن تمتد ،في نهضة عمرانية تبتني أسواقها يوماً بعد يوم .. بلا ضجيح ولا عمال صُفر يعتلونها مع صفرة الشمس ولا ناطحات تفتت السحاب الى أشلاء..الصوت بداخلي صامت تماماً .. جامد وغريب وغير طبيعي على الإطلاق ولأني أحب استضافة الغرباء كثيراً فقد رافقني هذا الصوت ست وثلاثين سنة أطرح منها سبع سنوات كنت أملك فيها حق البكاء ، وحينما وهبت أو ظننت أنني أمتلك حق التحدث ووجدتني أفقد كلامي تدريجياً مع مرور الأيام.. مكممة عن التفاصيل وصامته طوال دروة الأرض حول نفسها أصبحت أقول ولا أقول ، أشعر وأكتم هذة المشاعر ، أمارس الأشياء أو لا أمارسها أبداً .. أصبحتٌ محترفة رحيل في الأشياء ..أرحل في الوجوه والمسافات والمجسمات.
، أسمع صوت صدى الأماكن قبل أن أزورها ، وأزورها لكن في حيره و حزن وحرمان ، وأكتب على الشمس عناوين لا أزورها.. لا أحمل في يدي إلا حقيبة صغيرة أقلب فيها نفسي لأفرغِّها من كافة ِ أسرارِها ، الأسئلة التي كانت تبتلعني كلما خطت الأيام اشاراتها على وجهي ..تجعلني أواجه الحياة بهزيمة داخليه ومعركة محسومة لصالحها سلفاً , فلست ممن يجيد المناغاة ولا الزحف ولا المشي ولا حتى الكلام ، الخجل أوالجَهل أو الجبن أو البيض ! كلها مرادفات تترجمني في لغة مستحيلة على البشر ، وتجعلني استثنائية في وجعي ، مميزة جداً في بكائي ، فريدة في تخاذلي وألمي .. أحب أن أرتدي ليلاً من المواقف في كل الجهات التي أنعطف إليها ,, مجرد هذا التصور يفرض علي عالماً فردياً فريداً أرتديه وأسير بصحبته طوال حياتي .
تمنيت يوماً أن أشرب محلولاً برتقالياً عاري الغطاء عن الألوان ، كان حلمي صغيراً وداكِناً لايفصلني عنه إلا سفر الزجاجة من أرضها إلى الهواء الملاصق لشفتي ومع سهولته وصغره وخوائه ، فصلتني عنه العوائق وحجزتني عنه الظروف والأقفال ، تلك التي تمعني من معرفة نكهةِ السوائل والتساؤلات والبَحث عن اجابات لها..إنني في الحَقيقة، أكره أن ألوث بياض أنسجةِ الحياة بأسئلة كثيرة لا اجابات لها ، و أمقت أيضاً أن أثقب أوردة َ الجهل والغباء بإبر اجابات تدفق دماء العَالم الصَفراء في أنابيب خواء مستحيل .. لكن مع الأسف هذا الذي يحدث .. الكون يزداد ازدحاماً بنفايات ِ الكائنات ، الأرض تزداد حقولاً شاسعة الفراغ من ثمار الفِكر ،في الوقت الذي تتحول فيه كل الأشياء إلى ظِلالِها .
لفظني الوطن عن تعداده ، وأزاحتني الدنيا عن ضحاياها ،اليوم أبلغ من الوقت السالب ستين أو سبعين أو ثمانين عند هرولةِ السنوات ،إنني لَم أكبر أبداً ولكن أسناني هجرتني حين تخليت عنها ، ليستُ أنا.. بل الفتاةِ التي ترتدي داخلي ، وتختطف خارجي ، تلك التي تكممني ، وتعتقلني ، وتطمس حواسي ثم تطردني نحو بُكاء يَجري هارِباً عَبر سراديب ِ الخيبة ، يَبحث عن صوت ، عن ظِل ، عن وجع يصغر ثم يكبر ثم يتكلم ..وينسى ...
4/11/2013م
من مجموعتي حافة صندوق أسود