تَمَنَّيْتُ ، وَمُنذُ أمَدٍ ليسَ بالقَريبِ أنْ يرى النُّورَ ، وأنْ يَراه النُّورُ ، حينَ جَعلتُ بينَ جَنَباتِهِ أشهى مَا جَادتْ بهِ قَرائِحُ الوُدِّ وَالوَصْفِ والنَّسيبِ وَحُبِّ الوطنْ ، تَمَنَّيْتُ أنْ يَحْمِلَهُ أبي بينَ حاجيَّاتِهِ الخاصة ، وَهوَ يُدنْدِنُ بَيْنَ الفَيْنَةِ والأخرى بأسْرار أنغامِهِ ، وَحُسْنِ مَقاماتِهِ !، يُذكِّره بوَلَدِهِ الوَحيد ، أو أنْ تجعَلَهُ أمّي - قُبَيْلَ رَحيلِها - في ذلكَ الصَّنْدوقِ الذكرى الذي كلما اشتاقتْ إلى لمَساتِ أمّها تنهضُ تجلسُ في قربهِ ، تمنَّيْتُ أنْ يَفخَرَ بهِ الأبناءُ بعدَ حينٍ مِن الدَّهر بينَ أصْنائِهمْ ، فَلا ينامونَ ليلةً إلا وَقَدْ وَضَعوهُ على صدورِهمْ ، عَسى أن يَروْنَ والدَهمْ في جَنَّاتِ الرُّؤى وَهَمْهَماتِ الأحْلامِ وَهوَ يَسيرُ الهُوَيْنى مَعَ أسَاطينِ البَيانِ وَسَادَةِ الفِكْر !، بل إنَّ كثيرًا منَ الفُضْلياتِ كنَّ منَ التلهُّفِ والشَّوْقِ بمكان لهذا القادمِ الجَميلِ ، لِما كانَ بينْ دفَّتيهِ من ذكْرٍ طيّبٍ وَقَوافٍ حِسانٍ تألّقَتْ بذكْرِهُنّ ، فَكانَ أنْ تَعَهَّدَ " فلان " بطباعَتِهِ ، وهوَ ذو المكانةِ الثَّقافيَّةِ الشَّامخَةِ السَّامِقَةِ بين أروقةِ الأدَباءِ ، ومن بَيْتٍ يُشارُ إليهِ بالبَنانَ كَرَمًا وعِرفانًا ونكرانَ ذاتٍ ، بل له من الأسماءِ ما لا تَحُدُّها حَواجزٌ ولا حدود ! ، وَتمَّ الإتِّفاقُ على أنْ يَرى النُّورَ خِلال فترةٍ لا تزيدُ على ثلاثين يومَا ، فأرسلتُه إلى " فلان " مَعَ أجورِ الطَّبعِ عَدًا وَنَقدًا !!، وَمَضى عامٌ ... ، ثمَّ تبِعهُ عامٌ آخرٌ ، وأشهرٌ من العامِ الثَّالثِ ولا بريقَ يُوحي بأنّ نورَ الفَرجِ قَريبٌ ، مَا كانَ الخاطرُ لينْكسِرَ ، ولا القلبُ ليحْزنَ على شَيْءٍ سِوى أنَّ إحدى الفُضْلياتِ والتي تكفَّلتْ بأجورِ طباعةِ الديوانِ كاملةً ، وَبَعْدَ انتظارٍ لأكثرَ منْ عامينِ ونصفِ العام ، وَبعْد الكثير من المواعيدِ الضَّائعةِ ، مَا كانَ منها إلا أنَّها ذَهَبتْ إلى قائِمَةِ الأصْدقاءِ في صَفْحِتِها ، فَحَذَفَتْ إسمي !!!.