أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: السندريللا (2)

  1. #1
    الصورة الرمزية خديجة منصور رسامة وأديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    المشاركات : 263
    المواضيع : 46
    الردود : 263
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي السندريللا (2)

    كان الوقت مغيبا وكانت تعشق هذه السويعات من عمر الزمن....الغروب والشروق.. بينهما تتجدد الحياة.....حياتها، تتبعت أسراب الطير وهي تعود إلى أوكارها، وأحست بالسكون الذي يملأ هذا العالم ...عالم الهواء... يتغلغل في أعماقها و يجعل صفحات نفسها تغير ألوانها كما الأفق أمامها، ابتسمت، اللون الأسود في الفضاء ليس ظلاما...بل سعة....تبسط ذراعيها لتلتقط الضوء وتمرره....اتسعت ابتسامتها ... أبدا...لن تمل لوحات الرحمن.
    - لمن تبتسمين ؟....كانت صديقتها تنقل عينيها بين وجهها و زجاج نافذة كافتيريا الكلية
    - ..... بالله عليك أيتها الحالمة، ستنعتين يوما بالجنون....هيا... لقد بدأ الاجتماع.
    كانت صديقتها لا تصمت إلا نادرا....وكان يلقبونهما.... بالثرثارة ومحبة الاختصار....أعادت على مسامعها للمرة الألف الهدف من الاجتماع.." والله فكرة جميلة... مشروع رائع....... توسيع الاهتمامات إلى أسر الطلبة وذويهم...أليست فكرة رائعة؟...لماذا تبتسمين فقط...شاركيني الحماس..أو حتى قولي رأيك..... ".
    دخلتا قاعة الاجتماع...كانت ممتلئة...............حين خرجتا بعد قرابة الساعة من دخولهما.....كانت غصة أليمة تحتبس في حلقها.
    نظرت إليها صديقتها من فوق نظارتها:
    - أما كان الأجدر بك أن تخبريني قبلا برأيك السديد...وتتحاشي كل هذا....ها أنت الآن منعوتة بالجنون رسميا
    لن تبك...أتبكي؟..أبعدت عينيها....سجنت تلألأهما في زجاج نافذة الحافلة....وبنفس سرعة توافد الطريق والسيارات والواجهات أمامها....كانت تتسارع إلى مخيلتها أحداث الاجتماع...خاصة ردة فعل تلك الطالبة....لماذا هاجمتها بذلك الشكل؟...لماذا قالت ما قالته بتلك القسوة؟...هي حتى لم تتبين الأمر جليا.... وكما السفر عبر الأزمنة...جرتها كلمات صديقتها بقوة وأعادتها إلى مكانها في الحافلة:
    - من حقها أن تقول هذا...من حتى يصدق ما أثرته حتى يتقبله...أي نعم هي كانت قاسية معك...لكن كانت تريد أن تسكتك....هذا كل ما في الأمر....
    أدارت وجهها إلى صديقتها...تحدق فيها وكأنها تراها لأول مرة....أيمكن هذا ؟ .... وكأن صديقتها لمحت شبه لمعان لــطيف دمعة في عينيها....كفت عن الحديث واقتربت منها:
    - حبيبتي....ذاك عالمهم وهذا عالمنا...أنت اخترت طريقك ونهجك....فانفضي عنك تلك التبعية...وانسي حنينك...أتدري....يمكنك أن تقومي بكثير من الأشياء و كلها ستحبينها.... لكن بالله عليك..لا تذكري ذاك ثانية....
    حدقت فيها ثانية...وأدارت وجهها...وسجنت تلألأ عينيها في زجاج نافذة الحافلة...وغدا الطيف حقيقة....تسري ..متدحرجة في خجل لتستقر في ثنايا شفاه تتمتم في تضرع خافت..."ارجو رضاك ربي ...أرجو رضاك ربي ".
    جلست في ركن من سريرها وخفضت رأسها ...وانكمشت ... الألم يسري في نفسها مسرى الصقيع ويجعل كل ذرة إحساس دافئ تتجمد...تتقلص، أهي سنة الحياة....هل تجمد جزيئات الماء نوع من الألم ....وهل جريانه ثم تبخره، أعلى درجات الانسجام مع عوالم أخرى، هي درجات من..... السعادة؟؟؟؟....
    " الله أكبر ....الله أكبر"....
    أغمضت عينيها....وتنهدت من أعماق أعماقها الموحشة للحظة....وسرى الدفء....و امتدت الأحاسيس تلتمس طريقها في غيابات موحشة ....تنشر سكونا ....ضياءا....دفئا...
    وضعت رأسها على المخدة...و فكرتها "الجامحة" تثقله....لن تسكت...ستوصل صوتها...فكرتها... إليهم..لن تيأس...ستجد من ينصت إليها...ستجد من يفهمها...قطعا وبدا...لن تيأس...ولن تبكي....لن تيأس....لن.......وتاه العقل في دروب النوم الغامضة.
    كانت تجلس في مكانها المعتاد في ساحة الكلية...وبين الفينة والأخرى تنظر داخل حقيبة يدها....كيف ستفعل...يجب أن تفكر في طريقة سليمة.....
    - لن أتوه عنك أبدا...نفس المكان ونفس الجلسة
    ابتسمت لصديقتها و همت بالكلام...لكنها استطردت قائلة:
    - يريدونك... والآن، الظاهر أنهم يريدون التعرف أكثر على وجهة نظرك...هيا تعالي...إنهم في قاعة الاجتماع
    طرقت الباب...وإلتفاتة أخيرة إلى صديقتها....وابتسامة تشجيع من هاته وإيماءة رأس....ثم دخلت.
    يتبع نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية خديجة منصور رسامة وأديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    المشاركات : 263
    المواضيع : 46
    الردود : 263
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    كان هناك ستة أشخاص حول طاولة مستديرة...وجوه تعرفهم و وجوه تراهم لأول مرة...نهض رئيس الجمعية وهو من قدم عرض يوم الاجتماع...ابتسم وطلب منها الجلوس معه
    - في الحقيقة، كثير منا لم يستوعب الفكرة التي قدمتها يوم الاجتماع....وكذلك أنت لم توضحيها كفاية....وارتأى بعض أعضاء المكتب أن نطلب منك تفاصيل أكثر...وخاصة كان هذا طلب الأخت .....
    التفتت حيث ذهبت عينيه بالإشارة و الاسم.....كانت فتاة ممن تصادفهم في الحافلة
    - طيب...ممكن أن نتعرف أكثر على فكرتك
    ..لا تدري لماذا تحس أن هذا الطالب ضد فكرتها وانه مدفوع من طرف الآخرين للاستماع إليها....لكن لا يهم هذه فرصتها ولن تضيعها ....فتحت فاها وهمت بالحديث....فاختفى كل شيء...كل ما كانت تود قوله...اختفى....أحست بنفس الغصة...وبدأت الدماء تتدافع إلى وجهها.....وودت لو تنهض وتطلق ساقيها
    للريح...وتهرب بعيدا من هاته الوجوه المحدقة بها .
    - أظن أن فكرتك كانت عن تربية الحس الجمالي والإبداعي عند الطفل و خاصة الطفلة....وأظنك ذكرت رقص الباليه....
    نفس الفتاة تمدها بيد العون، ابتسمت:
    - جزاك الله خيرا.
    و كأنها تذكرت شيئا..فتحت حقيبتها وأخرجت آلة تسجيل صغيرة ووضعتها في وسط الطاولة وهي تشعلها....تصاعدت منها ... زقزقة عصافير....حادة ...نظر إليها رئيس الجمعية في استغراب مشوب بشك....وابتسمت الفتاة....ولم تنبس هي ببنت شفة....وركزت نظراتها على مبعث الصوت.....وفي تدرج جميل...خفت الزقزقة ليسمع تغريد عصفور....ثم تغريد آخر..أعذب منه....واتحد التغريد...أنشودة...تواصلت ثم اختفت كما ظهرت...ليأخذ مكانها صوت حفيف الأشجار و كأنه بداية مكتومة لتمرد خفي...وتصاعد ارتطام الأوراق بالنسمات....وتحولت النسمة ريحا وعلا صفيرها....وأخذت تعبث بالأوراق والأغصان الغاضبة...وتأجج الغضب....و جاء صوت الأمواج ليزيد من هول
    الإحساس.....صارخا....مدويا....ت طعه قصفات الرعد التي تملأ النفس وجلا.......ثم سكت كل شيء....وسمع من بعيد همس....قطرة....ثم قطرة...ثم قطرة....فصوت هدير المياه....فزقزقة العصافير....فتغريد...فأنشودة. ....ف....صوت الآلة وهي تعلن عن انتهاء الشريط.
    غريب أن يزيد إحساسها عمقا وشغفا كلما سمعت هذا الشريط.....رفعت عينيها على مضض....أ ما تراه في عيني البعض سخرية....وفي عيني البعض حيرة واستغراب؟....وفي عيني الفتاة؟...ما زالت تحدق في آلة التسجيل ... رفعت عينيها وكأنما على مضض.....حدقت بها وقالت
    " رائع"
    ...لم تبتسم لها....كان أكبر من ذلك التعبير يتردد في داخلها " مرحى بك.... في رحاب الرحمن "
    - صراحة ..لا أفهم...ماذا تعنين بهذا...أنت تريدين أن تعطي دروس في الباليه والآن تعرضين علينا سيمفونية غريبة..حقيقة لا أفهم....هلا وضحت لنا الأمر
    الآن هي متأكدة أن هذا الطالب....لا يرغب بما تطرحه عليهم.
    - أنا فهمت قصد الآنسة...هي تريد أن تستعين بهذا الشريط في تدريباتها...أليس كذلك؟
    أومأت برأسها وقالت:
    - نعم..هذا ما أريده...أعلم أن هذا صعب....و محتمل جدا لن أنجح...لكن... أن أجعل كل عضلة في الجسم تتحرك بإحساس عميق يصل ذروته مع همسات الرحمن ....هذا ما أريد الوصول إليه...هذه التجربة ستكون فريدة من نوعها....أنا لا أستطيع أن أوصل لكم إحساسي أكثر من هذا....لكنني متأكدة أنني سأصل لشيء....فقط أريد من تؤمنوا بفكرتي
    " أنا موافقة...." نفس الفتاة
    " وأنا كذلك..."....كان جواب شاب يجلس إلى جانبها..." وسأدبر لكم أمر مكان التدريب "
    .................................................. ......................................
    أربع طفلات صغيرات...فقط...هذا كل من أتى للتدريب....ابتسمت للوجوه البريئة المتطلعة إليها...وقالت " لنتعرف على بعضنا....أنا اسمي رؤى وسأعطيكم دروس في الباليه...أتعرفونه؟....الرقص على أصابع القدم"
    ...وشكلت يدها لتريهم ما تقصده...فرنت ضحكات صغيرة...خجلة....واحدة...واحدة فقط بين الصغيرات لم تكن تضحك أو تبتسم....كانت تنظر إليهن وكأنها لا تنتمي إلى عالمهن..." الآن....نبدأ بالتعرف عليكن....ما اسمك صغيرتي"....ونطقت الصغيرات بأسمائهن في مرح بادي وجاء دور الصغيرة القريبة....البعيدة...واضطرت أن تعيد السؤال مرتين...لتجيبها في الأخير..." مريم" ...لا تدري لم أحست بالاسم والصوت الصغير... والنبرة...تنفذ إلى أعماق أعماقها....الموحشة...تحاشت بعد ذلك النظر إليها...والاهتمام بها أكثر من الأخريات ولو أن إحساسا جارفا كان يجذبها إليها....مساحة الحزن في أعماقها...تلامس أعماقها..... .
    اختارت شريطا آخر غير الذي قدمت للجمعية.......كان أكثر توافقا مع هذه النفوس الرقيقة ....وذهولهن ثم تقبلهن للشيء بسهولة طبيعية جعل الابتسامة لا تفارقها حتى وهي عائدة إلى البيت....ولكن ما لن ينمح أبدا..أبدا من ذاكرتها...صوت الصغيرة...القريبة...البعيدة.. .وهي تقول بعد أن اقتربت منها في خجل "أريد أن أعرف..... ماذا تقول الطيور؟؟؟؟" .....


    فبراير 2005

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العزيزة خديجة......
    اعجبني هذا النفس السردي المتميز ،وهذا التحكم الجيد ببنية النص التركيبية ،قدرة فائقة في التحكم بالترابط الحدثي ،والسيطرة على عنصري الزمكان ، رؤية نلضجة تحمل بصمات واقعية على مستوى عرض الصورة الاجتماعية المستوحاة من صميم المعيش اليومي ، وعلى مستوى الغوص في الاعماق واخراج ماهيات النفس التي تحاط بجملة اشياء غير مرئية ومرئية تكافح من اجل عدم خروجها من قوقعة امتيازها ، اشتغال جميل على المساحة الوجدانية ايضا ، واستحضرات بصورة رمزية تعبر عن ماهية النفس المتطلعة للافق ، اعجبني النص بختمته الراقية، وبالسؤال الذي يبقى ملتصقا بذهن المتلقي.

    دمت بخير
    محبتي لك
    جوتيار

  4. #4
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأخت الفاضلة الأديبة خديجة منصور ..

    انسجام واندماج تام حدث بيني وبينكمن خلال هذا السرد الشيق ، الذي جعل صورتك قريبة جدا مني ، وكأن الحوار في هذه القصة حدث بيني وبينك وجها لوجه ..
    لك نفس طويل ، وتركيز عالي في سرد الأحداث دون انفلات خيوط القص من يدك ، فقد قمت بعملية جدل وحبك متين للأحداث والحوارات ، فتملكتني ضمن خيوطك ولم تتركيني إلا في النهاية كخصلة تدلت في نهاية النسيج وكأني وحدة منه .
    أتت النهاية شاعرية عميقة ، فضولية ، باحثة عن سر ومكنونات الكون ..
    أريد أن أعرف .. ماذا تقول الطيور ..

    رائع هذا السرد القصصي ومشوق ..
    تحيتي ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  5. #5
    الصورة الرمزية خديجة منصور رسامة وأديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    المشاركات : 263
    المواضيع : 46
    الردود : 263
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    الأخ العزيز جوتيار
    شكرا لفهمك الراقي و الجيد لما أكتب هذا يسعدني جدا
    لك كل التقدير نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الأخت العزيزة وفاء شوكت
    أثلجت صدري
    و أدفأت احساسي بكتابتي...كاد يطالها الصقيع.....
    لك كل التقدير و المحبةنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    في نص طويل نجحت الكاتبة بالإمساك بخيوطه وتصاعده الحدثيّ في مشهديّات تنوعت زمكانيا، ووفقت بتحميل القصّة فكرتها موظفة في سبيلها شخوص وأدوات النص
    حين نؤمن بالشئ نجد لكل ما فيه معنى عميقا وحسا وروحا

    دمت بخير غاليتي


    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,787
    المواضيع : 392
    الردود : 23787
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    نفس سردي وقصصي طويل مائز نجحت أديبتنا الفاضلة في توظيف أدواتها لتنتج لنا تلك الرائعة والتي أخذتنا معها نتابع ونتفاعل حتى الخاتمة التي فتحت بابا للفضول
    دام البهاء
    ومرحبا بك في واحتك
    تحية وتقدير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,156
    المواضيع : 318
    الردود : 21156
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    سردية رائعة موشاة بلغة متميزة، ونص مكتمل البنيان والفكر
    ولغة تنساب إلى وعينا وتندمج فيه
    لقد سطر قلمك الإبداع والتألق في الصياغة والحبك
    أعبر عن إعجابي برقة وجمال همس قلمك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. السندريللا
    بواسطة خديجة منصور في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 12-10-2013, 06:13 AM