كان الوقت مغيبا وكانت تعشق هذه السويعات من عمر الزمن....الغروب والشروق.. بينهما تتجدد الحياة.....حياتها، تتبعت أسراب الطير وهي تعود إلى أوكارها، وأحست بالسكون الذي يملأ هذا العالم ...عالم الهواء... يتغلغل في أعماقها و يجعل صفحات نفسها تغير ألوانها كما الأفق أمامها، ابتسمت، اللون الأسود في الفضاء ليس ظلاما...بل سعة....تبسط ذراعيها لتلتقط الضوء وتمرره....اتسعت ابتسامتها ... أبدا...لن تمل لوحات الرحمن.
- لمن تبتسمين ؟....كانت صديقتها تنقل عينيها بين وجهها و زجاج نافذة كافتيريا الكلية
- ..... بالله عليك أيتها الحالمة، ستنعتين يوما بالجنون....هيا... لقد بدأ الاجتماع.
كانت صديقتها لا تصمت إلا نادرا....وكان يلقبونهما.... بالثرثارة ومحبة الاختصار....أعادت على مسامعها للمرة الألف الهدف من الاجتماع.." والله فكرة جميلة... مشروع رائع....... توسيع الاهتمامات إلى أسر الطلبة وذويهم...أليست فكرة رائعة؟...لماذا تبتسمين فقط...شاركيني الحماس..أو حتى قولي رأيك..... ".
دخلتا قاعة الاجتماع...كانت ممتلئة...............حين خرجتا بعد قرابة الساعة من دخولهما.....كانت غصة أليمة تحتبس في حلقها.
نظرت إليها صديقتها من فوق نظارتها:
- أما كان الأجدر بك أن تخبريني قبلا برأيك السديد...وتتحاشي كل هذا....ها أنت الآن منعوتة بالجنون رسميا
لن تبك...أتبكي؟..أبعدت عينيها....سجنت تلألأهما في زجاج نافذة الحافلة....وبنفس سرعة توافد الطريق والسيارات والواجهات أمامها....كانت تتسارع إلى مخيلتها أحداث الاجتماع...خاصة ردة فعل تلك الطالبة....لماذا هاجمتها بذلك الشكل؟...لماذا قالت ما قالته بتلك القسوة؟...هي حتى لم تتبين الأمر جليا.... وكما السفر عبر الأزمنة...جرتها كلمات صديقتها بقوة وأعادتها إلى مكانها في الحافلة:
- من حقها أن تقول هذا...من حتى يصدق ما أثرته حتى يتقبله...أي نعم هي كانت قاسية معك...لكن كانت تريد أن تسكتك....هذا كل ما في الأمر....
أدارت وجهها إلى صديقتها...تحدق فيها وكأنها تراها لأول مرة....أيمكن هذا ؟ .... وكأن صديقتها لمحت شبه لمعان لــطيف دمعة في عينيها....كفت عن الحديث واقتربت منها:
- حبيبتي....ذاك عالمهم وهذا عالمنا...أنت اخترت طريقك ونهجك....فانفضي عنك تلك التبعية...وانسي حنينك...أتدري....يمكنك أن تقومي بكثير من الأشياء و كلها ستحبينها.... لكن بالله عليك..لا تذكري ذاك ثانية....
حدقت فيها ثانية...وأدارت وجهها...وسجنت تلألأ عينيها في زجاج نافذة الحافلة...وغدا الطيف حقيقة....تسري ..متدحرجة في خجل لتستقر في ثنايا شفاه تتمتم في تضرع خافت..."ارجو رضاك ربي ...أرجو رضاك ربي ".
جلست في ركن من سريرها وخفضت رأسها ...وانكمشت ... الألم يسري في نفسها مسرى الصقيع ويجعل كل ذرة إحساس دافئ تتجمد...تتقلص، أهي سنة الحياة....هل تجمد جزيئات الماء نوع من الألم ....وهل جريانه ثم تبخره، أعلى درجات الانسجام مع عوالم أخرى، هي درجات من..... السعادة؟؟؟؟....
" الله أكبر ....الله أكبر"....
أغمضت عينيها....وتنهدت من أعماق أعماقها الموحشة للحظة....وسرى الدفء....و امتدت الأحاسيس تلتمس طريقها في غيابات موحشة ....تنشر سكونا ....ضياءا....دفئا...
وضعت رأسها على المخدة...و فكرتها "الجامحة" تثقله....لن تسكت...ستوصل صوتها...فكرتها... إليهم..لن تيأس...ستجد من ينصت إليها...ستجد من يفهمها...قطعا وبدا...لن تيأس...ولن تبكي....لن تيأس....لن.......وتاه العقل في دروب النوم الغامضة.
كانت تجلس في مكانها المعتاد في ساحة الكلية...وبين الفينة والأخرى تنظر داخل حقيبة يدها....كيف ستفعل...يجب أن تفكر في طريقة سليمة.....
- لن أتوه عنك أبدا...نفس المكان ونفس الجلسة
ابتسمت لصديقتها و همت بالكلام...لكنها استطردت قائلة:
- يريدونك... والآن، الظاهر أنهم يريدون التعرف أكثر على وجهة نظرك...هيا تعالي...إنهم في قاعة الاجتماع
طرقت الباب...وإلتفاتة أخيرة إلى صديقتها....وابتسامة تشجيع من هاته وإيماءة رأس....ثم دخلت.
يتبع