أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الضوء العالق في سقف الغرفة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الضوء العالق في سقف الغرفة

    قصة من مجموعتي القصصية
    ( انكسارات أمير جنوبي)
    الضوء العالق في سقف الغرفة
    م. نديم علي
    سقف به مصدر ضوء .. يزعجني كثيرا .. وجوه غريبة ضخمة الملامح وأنوف تهبط على وجهي تلامس شفاهها الغليظة جبيني ...بعضها كان خشنا وأكثرها كان ناعما .. تضايقني الوجوه الخشنة المتطفلة.
    أصوات وثرثرة، تضايقني الثرثرة .. كانوا يهنئون الراقدة إلى جواري ويقبلونها أيضا .. اليد الناعمة الراقدة في جواري .. تدفئني وتدس بين شفتي شيئا غضا، يدفق منه شيء دافئا حلوا ،يدغدغ في فمي لذة أحبها، ويخمد في بطني ألما أكرهه.
    يغيب الضوء في سقف الغرفة ، يعم الهدوء .. لا أحب ذلك الضوء العالق في سقف الغرفة. ألوذ بوسادتي الطرية الدافئة الراقدة في جانبي، أتململ في لفافاتي المبتلة.
    خواطر انتابتني بعيد صلاة الفجر،حين جلست أمارس عادتي الرتيبة في تناول إفطاري الصباحي ،كانت عيناي معلقتين بورقة التقويم الكارتوني على صدر الحائط، وإذ أنزع يوما سابقا ، بدا لي الحادي عشر من ديسمبر؛
    في مثل ذلك اليوم، شهر مر الآن من عمري الدنيوي على هذه الأرض. لاحظ الجميع صمتي وقلة حركتي.شعر والدي بالقلق وشعرت ذات الشعور الوسادة الدافئة الراقدة إلى جواري .. كان وجهها الأسمر جميلا .. تذرف بعض لالئ لامعة على وجنتيها.
    حملوني في لفافاتي الكثيرة ، برودة تشعل ارنبة أنفي .. يندفع الهواء في صدري ،أعطس بشدة .. يضحك الجميع من ضعفي وحركتي .. أبكي غيظا وبصوت مكتوم.
    دسوا في فمي أشياء ذات طعم مر .. ابتلعتها مضطرا .. ووخزوني في مؤخرتي بأشياء أخرى مؤلمة، وهل كان في مقدوري ساعتها ان أحمي ذلك الجزء الجنوبي من جسدي !! بكيت مرة أخرى وبصوت مكتوم أيضا .. وغاب الوجود عن عيني!
    ها أنذا مرة اخرى تحت ذلك السقف ذي الضوء المعلق في منتصفه؛ إن غاب ، غابت معه تلك الوجوه التي تتساقط فوقي ، بين مهنئين ، وعائدين، يمصمصون شفاههم شفقة على ذلك الرضيع الساكت.
    انتظر لحظة أن يغيب ذلك الضوء من سقف الغرفة، استرخي وألوذ بوسادتي الدافئة طالما كانت لفافاتي نظيفة.
    ما زال الصمت يتملكني .. أعشق صمتي هذا ، ولا أحب تلك الأنوف والأفواه الضخمة الخشنة المتساقطة فوقي، وإن كنت أعشق تلك الشفاه الناعمة التي ، بين الحين والآخر ، تلثم جبيني الصغير.وما زلت أعشق صمتي.
    عادتي اليومية، هي محاولاتي المضنية لإقناع امي ذات التسعين ربيعا بتناول (حبة الضغط) حفظا لصحتها، تناولتها مني على مضض، نبهتني بأن الضوء العالق في سقف غرفتها، لا يشتعل بسهولة وعليك تغيير ( اللمبة)، وأن لا أنسى أن أنزع ورقة الأمس من التقويم الكارتوني، وهي في إصرارها الغريب على أن تتسلمها مني يدا بيد، لتحتفظ بها تحت وسادتها!
    .وتساءلت عيونها في ألم رفيق ودهشة مستغربة .. ألم يدق بابنا أحد هذا النهار أيضا؟
    لاحظت بها اعوجاجا وميلا بسيطا ،ثبت كارتونة التقويم بإحكام في صدر الحائط.
    ساءلت نفسي مندهشا، لماذا الآن؟ وفي هذه السن من النضج وكل هذا العمر،لماذا أخاف النوم دون الضوء العالق في سقف الغرفة؟

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,151
    المواضيع : 318
    الردود : 21151
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    الآن يخاف النوم دون الضوء العالق في سقف الغرفة!!!!
    مع إنه في مولده كان يزعجه كثيرا ذلك الضوء ولا يحبه
    ولا يعم الهدوء والراحة بالنسبة له إلا عندما يغيب الضوء في سقف الغرفة.
    راق لي هذا السرد على لسان الرضيع ، وتلك الذكريات لمرضه عندما بلغ شهر
    من عمره، وتلك التعابير التي تصف شعوره بالدفء والشبع أو التململ من البلل
    أو الألم من المرض ومرارة الدواء ووخز الأبر.
    وأضحكتني بذرة الذكورة فيه التي عشقت تلك الشفاه الناعمة التي تلثم جبينه
    ووصف الناس له بأنه الرضيع الساكت. ووصفه لنفسه بأنه يعشق الصمت.
    وتعجبت من إنه مازال يعيش مع أمه التسعينية والتي تعد الأيام وكانها تستعجلها
    وتتسائل في دهشة لنعرف إنهم يعيشون في وحدة قاتلة ـ لا يدق بابهم أحد.

    بديع حرفك ومتألق حلق بنا في سماء من الروعة.
    أسجل إعجابي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    برع الناقد أيضا في تفنيد قضية ذلك الرضيع.
    أسجل إعجابي أنا أيضا بتفاعلك الصادق وبلغتك الراقية.