أولاً أحكام العيدين:

1- النهي عن صومهما:

فيحرم صوم يومي العيدين لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر . متفق عليه، أخرجه البخاري في: كتاب الصوم، باب: صوم يوم الفطر، وفي كتاب الأضاحي: باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي (الفتح 3/280، 10/26)، وأخرجه مسلم في: كتاب الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (2/799).

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: "وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال؛ سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينهما، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما.انظر صحيح مسلم بشرح النووي (8/15).
وقيل: إن الحكمة في النهي عن صوم العيدين أن فيه إعراضاً عن ضيافة الله تعالى لعباده.انظر: نيل الأوطار (4/262).

2- صلاة العيد وما يتعلق بها من أحكام وآداب:

حكمها:

سنة مؤكدة عند الجمهور، واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها حتى الحيّض منهن؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيّض، وذوات الخدور؛ فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين).متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه في أكثر من موضع، في الحيض باب: شهود الحائض العيدين (الفتح 1/504)، وفي العيدين باب خروج النساء والحيض إلى المصلى (2/537)، وفي غيرهما، وأخرجه مسلم في العيدين باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال (صحيح مسلم 2/605)، والعواتق: جمع عاتق، وهي الأنثى أول بلوغها ولم تتزوج بعد، والخدور: البيوت، وقيل ستر يكون في ناحية.

وذهب بعض أهل إلى: القول بوجوبها، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم؛ بل ذهب ابن تيمية إلى كونها آكد من الجمعة، لحديث أم عطية السابق، وفيه الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور والحيض، ولم يأمر بذلك في الجمعة، وهو محمول على الوجوب إلا لقرينة ولا قرينة هنا.
وأجاب ابن حجر على ذلك بقوله: وفيه نظر؛ لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف؛ فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولتعم الجميع البركة.فتح الباري (2/545).
كما استدل القائلون بالوجوب بكونها مسقطة للجمعة الواجبة إذا اجتمعتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لاسقط واجباً.

المكان الذي تصلى فيه(انظر أيضاً في بحث لهذه المسألة المغني (3/260) والمجموع (5/524)):

أ- في مكة المكرمة:
الأفضل الصلاة في المسجد الحرام؛ فإن الأئمة لم يزالوا يصلون العيد بمكة بالمسجد الحرام، قال النووي في المجموع: "... فإن كان بمكة فالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف(انظر المجموع شرح المهذب (5/524)). أي من الخروج إلى المصلى.

ب- في غير مكة:
السنة أن يصلى العيد في المصلى خارج البلد إلا لعذر من مطر أو غيره، هكذا جرى عمل المسلمين في سائر الأمصار والعصور وأما حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره: (أن الناس أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم العيد في المسجد)(وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ح (248))، ففي إٍسناده مجهول.
وحكى عن الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعاً، فالصلاة فيه أولى لشرف البقعة.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في المصلى مع شرف مسجده عليه الصلاة والسلام.
وجعل العلة الضيق والسعة مجرد تخمين لا ينتهض للاعتذار عن التأسي به صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المصلى.
ج- ويستحب للإمام أن يخلف من يصلى بضعفة الناس - الذين يعجزون من الخروج إلى المصلى - في المسجد، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

حكم خروج الصبيان والنساء:

يشرع خروج النساء في العيدين من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة، أو كان في خروجها فتنة، أو كان لها عذر؛ لحديث أم عطية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض، وذوات الخدور؛ فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) (سبق تخريجه (ص7). والجلباب هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار تغطى به المرأة رأسها، وقيل هو ثوب واسع دون الرداء تغطى به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملائه والملحفة، وقيل: هو الإزار الذي يجلل جميع البدن وليس الحقو فقط، وقيل: الخمار. (انظر لسان العرب لابن منظرو 1/650)، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/283)) وقوله: ((لتلبسها أختها من جلبابها))؟ قال النووي: "الصحيح أن معناه لتلبسها جلباباً لا تحتاج إليه".
والقول بكراهة الخروج على الإطلاق رد للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة وتخصيص الشابة يأباه صريح الحديث المتفق عليه وغيره، كما قال الشوكاني في النيل(نيل الأوطار (3/288)).
وإنما يستحب لهن الخروج إذا التزمن بآدابه؛ فيخرجن غير متطيبات، ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وليخرجن تفلات)) (أخرجه أبو داود وغيره، وهو في صحيح سنن أبي داود للألباني ح (529))، أي غير متطيبات، ولا يخالطن الرجال بل يكن ناحية منهم. قال ابن حجر: "وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب" (فتح الباري (1/505)).
فإذا كانت المرأة حائضاً اعتزلت المصلى، قال النووي: "والجمهور أن هذا المنع هو منع تنزيه لا تحريم، وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة" (صحيح مسلم بشرح النووي (3/179)).
وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك(فتح الباري (1/505)). ولا بأس عليهن – أي الحيّض – إذا ذكرن الله تعالى، وكبرن، لقول أم عطية عند مسلم: (فليكن خلف الناس يكبرنّ مع الناس) وإنما يحرم عليها قراءة القرآن، قاله النووي(صحيح مسلم بشرح النووي (6/179)).
وأما خروج الصبيان إلى المصلى؛ فقد بوب البخاري رحمه الله له في الصحيح بقوله: (باب خروج الصبيان إلى المصلى)؛ قال ابن حجر: أي في الأعياد، وإن لم يصلوا. وأخرج البخاري عن ابن عباس لما سُئل: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصفر ما شهدته.
قال ابن بطال: خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب، ويعقل الصلاة – ويتحفظ مما يفسدها – ألا ترى ضبط ابن عباس للقصة؟ اهـ.
قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك، وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيض ... فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أولا – وعلى هذا إنما يُحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحو سواء صلوا أم لا. وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله لفرط ذكائه والله أعلم(فتح الباري (2/540)).

وقت الخروج إلى الصلاة:

يستحب التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبح إلا الإمام؛ فإنه يتأخر إلى وقت الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس، قاله صاحب المغنى.
وقال مالك: مضت السنة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيره فيستحب له التبكير، والدنو من الإمام.
الاغتسال للعيدين ووقته والتزين لهما:
يستحب أن يغتسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، ولم يثبت فيه حديث مرفوع ينتهض للاحتجاج به، وأحسن ما يستدل به على استحباب الغسل لهما ما رواه البيهقي بسند صحيح عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، يوم النحر، ويوم الفطر(إرواء الغليل (1/176)).
ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة. وإن اقتصر على الوضوء أجزأه.
كما يسن التنظف بحلق الشعر وتقليم الظفر – إلا في الأضحى لمن أراد أن يضحي فالسنة الإمساك حتى يذبح أضحيته(لحديث أم سلمة عند مسلم وغيره مرفوعاً. (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)، وفي رواية: (فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحى)، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر) –، والتسوك لأنه يوم عيد واجتماع فأشبه الجمعة.
وأما التطيب للرجال فلما سبق من وجود معنى الجمعة فيه. وأما المرفوع فلم يثبت منه شيء ينتهض للاحتجاج به(أثر الحسن بن علي رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد) (رواه الطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه، وفي إسناده إسحاق بن بزرج مجهول كما ذكر الحافظ في التلخيص). وصح عن ابن عمر أنه كان يتطيب يوم الفطر(أحكام العيدين للفريابي (ص83)).
وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.
كما يستحب أن يلبس أحسن ما يجد من الثياب لما ثبت عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس يوم العيد بردة حمراء؛ ولقول عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ابتع هذه تتجمل بهما في يوم العيدين والوفد(متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب العيدين باب: في العيد والتجمل فيه، وفي الجهاد باب: التجمل للوفود، وفي غيرهما ( فتح الباري 2/509، 6/198)، وأخرجه مسلم في كتاب اللباب، باب: تحريم استعمال إناء الذهب .. الخ، (صحيح مسلم 3/1639)). فدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً(المغنى (3/257)).
وأما المعتكف فقد قال صاحب المغني: "إنه يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة والنسك". وقد رد الشيخ ابن عثيمين لهذا القول، وقال: "إنه خلاف السنة، وأن السنة في العيد أن يتجمل سواء كان معتكفاً أم غير معتكف" (أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين، لابن عثيمين (ص10)).

وقت الاغتسال: قولان:

الأول: بعد طلوع الفجر لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة: فإن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة، وهذا ظاهر كلام الخرقي كما ذكر صاحب المغني، ورواية في مذهب الشافعي.

الثاني: جواز الغسل قبل الفجر وبعده، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، والمنصوص عليه عند أحمد؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وُقِف على الفجر ربما فات،؛ولأن المقصود منه التنظف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف، وليكون أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة، ولهذا اختيار صاحبه المغني(انظر في المسألة (المغني 3/258)، وفتح العزيز شرح الوجيز للرافعي بحاشية المجموع (5/21)).

الأكل قبل الخروج للصلاة في الفطر دون الأضحى:

يسن أكل تمرات وتراً قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر لما رواه البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً.
فإن لم يجد تمراً أفطر ولو على ماء، قاله ابن حجر في الفتح(فتح الباري (2/519)).
أما في عيد الأضحى فالسنة ألا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، وذلك لما رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث بريدة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع) (إسناده صحيح (المشكاة ح1440)). زاد أحمد: (فيأكل من أضحيته).

أيهما أفضل المشي أم الركوب؟

والسنة أن يأتي العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار لما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث علي رضي الله عنه: (إن من السنة أن تأتي العيد ماشياً)، والحديث مع ضعفه فإن له شواهد كثيرة يدل مجموعها على أن له أصلاً؛ منها حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى العيد ماشياً، ويرجع ماشياً(صحيح سنن ابن ماجه ح(1071)).
فإن كان له عذر، أو كان مكانه بعيداً فركب فلا بأس.
قال أحمد رحمه الله: نحن نمشي ومكاننا قريب، وإن بَعُد ذلك عليه فلا بأس إن يركب، ذكره صاحب المغني.
وقال البخاري: باب المشي والركوب إلى العيد ... ولم يذكر من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب. قال ابن حجر في توجيه ترجمة الباب: يحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر: (وهو يتوكأ على بلال) حديث جابر هو (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال) (الفتح (2/523))، مشروعية الركوب لمن احتاج إليه، وكأنه يقول: الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب ... والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما. اهـ.
وقال النووي في المجموع: ولا بأس أن يركب في الرجوع لما ذكره المصنف.... (المصنف هو الشيرازي وقوله المشار إليه هو (ولا بأس أن يركب في العود لأنه غير قاصد إلى قربه). المجموع (5/10)) قال: وصورته إذا لم يتضرر الناس بركوبه، فإن تضرروا به لزحمة وغيرها كره لما فيه من الإضرار. اهـ.

التكبير في الطريق إلى المصلى:

ومن السنة التكبير في الطريق إلى المصلى ورفع الصوت بالتكبير للرجال، لما أخرجه البيهقي بسند حسن عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل ابن عباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليل والتكبير) (الإرواء (3/123)).
وأخرج الدارقطني والفريابي أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام(الإرواء ح(650)).
ويتأكد التكبير في الفطر عنه في الأضحى لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185]. ولما أخرجه الفرياني بسند صحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى). قال وكيع: يعني في التكبير(الإرواء (3/122)).

هل يكبر حتى يأتي المصلى أو حتى يخرج الإمام؟

روايتان عن أحمد ذكرهما صاحب المغني، وسبق أن ابن عمر كان يكبر حتى يأتي الإمام.

صيغة التكبير:

ثبت عن ابن مسعود عن ابن أبي شيبة أنه كان يقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، بتشفيع التكبير، وفي رواية أخرى له أيضاً بتثليث التكبير وهي صحيحه(تمام المنة (ص356)).
وقال ابن حجر في الفتح: أصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: (كبروا الله، الله أكبر، الله، الله أكبر كبيراً) (فتح الباري (2/536)).

حكم التكبير الجماعي:

سُئل الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله عن حكم التكبير الجماعي – أي اجتماع الناس على التكبير في نفس واحد بنغمة واحدة – فأجابا: أن ذلك الاجتماع غير مشروع، وأنه خلاف السنة والثابتة من فعل السلف رضوان الله عليهم. اهـ.
وقد استدل البعض بما أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم أن ابن عمر رضي الله عنه كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيراً، وكذا قوله: ... وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد(فتح الباري (2/534))، على مشروعية التكبير على الصورة المذكورة، وهو لا يدل صراحة على ذلك لاحتمال أن يكون المراد ابتداء الذكر لا المداومة على ذلك، فالمسألة اجتهادية وهي محل نظر بين أهل العلم، والله أعلم بالصواب.
لكن ينبغي أن لا يتخذ ذلك سبيلاً للتنازع والتشاحن وذم أحد الفريقين الآخر فهذا لا يجوز بالاتفاق.

التطوع قبل صلاة العيد وبعدها:

لم يثبت لصلاة العيدين سنة قبلها ولا بعدها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما(متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب العيدين باب الخطبة بعد العيد، وباب الصلاة قبل العيد وبعدها وفي غيرهما (الفتح (2/526، 552)، وأخرجه مسلم في كتاب العيدين باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلي (صحيح مسلم 2/606)).
قال ابن العربي: التنفل في المصلى لو فُعل لنقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ومن اقتدى فقد اهتدى(فتح الباري (2/552)).
قال ابن حجر: وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام والله أعلم(المصدر السابق (2/552)).
وفرق بعضهم بين المأموم والإمام، فكرهه للإمام وأباحه للمأموم.
وذهب آخرون إلى التفريق بين قبل الصلاة وبعدها على قولين ذكرهما ابن المنذر عن أحمد:
الأول: جواز الصلاة بعدها، وهو قول الأوزاعي والنووي والحنفية وبه يقول الكوفيون.
الثاني: جواز الصلاة قبلها لا بعدها، وهو قول الحسن البصري وجماعة، وهو مذهب البصريين.
ولعله للجمع بين هذه الأقوال أن يقال:
إن السنة ترك الصلاة قبلها وبعدها في المصلى، فإذا صلى بعدها في البيت، سواء كان إماماً أو مأموماً جاز. والله أعلم. ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم بإسناد حسن.
عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) (الإرواء (3/100)).
وذهب بعض أهل العلم – كالشيخ ابن عثيمين – إلى أن مصلى العيد مسجد، فإذا دخله الإنسان فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، واستدل بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الحيض أن يمكثن فيه، وأمرهن باعتزاله(أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين (ص12)).
وقد سبق ذكر كلام أهل العلم عن حكمة أمر الحيض باعتزال المصلى.
أما إن صلى الناس العيد في المسجد فالأصل صلاة ركعتي تحية المسجد.

وقت صلاة العيد:

يبدأ وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح (حوالي ثلاثة أمتار)، ويمتد إلى الزوال، ولم يصح في تحديدها حديث مرفوع ينتهض للاحتجاج به، وأما حديث الأسود بن قيس عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح، ففي إسناده المعلى بن هلال، اتفقوا على تكذيبه.
وقال أصحاب الشافعي: أول وقتها إذا طلعت الشمس لحديث يزيد بن خُمير قال: خرج عبد الله بن بسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنْ كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح(رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم. (الفتح 2/568)، وقوله: حين التسبيح: أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة).
وليس في ذلك دليل لما ذهبوا إليه؛ لأن معناه إذا مضى وقت الكراهة، ويكون إنكاره إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه. ويرده أيضاً عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند بلوغ الشمس حتى ترتفع وعليه جرى عمل المسلمين في جميع العصور والأمصار.
ويُسن تقدم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج الصدقة.

حكم الأذان والإقامة لها وقول الصلاة جامعة:

قال ابن القيم في الزاد: "كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة، والسنة أن لا يُفعل شيء من ذلك".
وأخرج مسلم عن عطاء قال: "أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعدها يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة".
قال الشيخ ابن باز حفظه الله في تعليقه على حديث جابر: "هذا... ومن هنا يعلم أن النداء للعيد بدعة بأي لفظ كان، والله أعلم" (انظر تعليق الشيخ على فتح الباري (2/525)).

صفة صلاة العيد: عدد ركعاتها:

لا خلاف بين أهل العلم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان وإنما اختلفوا فيمن لم يدركها معه كما سيأتي بمشيئة الله، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (صلاة العيد والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى) (أخرجه أحمد بإسناد صحيح (الإرواء ص638)).

ما يقرأ فيها:

لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قراءة الفاتحة وسورة في كل ركعة من صلاة العيد.
ويستحب أن يقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية لحديث النعمان بن بشير عند مسلم وغيره قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ ?سْمَ رَبّكَ ?لأَعْلَى?} [الأعلى:1]. و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ?لْغَـ?شِيَةِ} [الغاشية:1]. وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما).
أو يقرأ بـ {ق وَ?لْقُرْءانِ ?لْمَجِيدِ} [ق:1].و{?قْتَرَبَتِ ?لسَّاعَةُ وَ?نشَقَّ ?لْقَمَرُ} [القمر:1]. لحديث أبي واقد الليثي عند مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفطر والأضحى بـ {ق وَ?لْقُرْءانِ ?لْمَجِيدِ} [ق:1].و{?قْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1].
ومهما قرأ به أجزأه، ولكن الأولى اتباع السنة.



********