قمرٌ أندلُسي
مهداة الى د. وليد سيف و لكل من عشق الاندلس
أضاءَ حينَ بدا السّمّارَ و السمرا
فهامَ بالكأسٍ من بالنور قد سكرا
و كان يسألُ عن ليلٍ ليوقدَهُ
و عن فتاةٍ قضتْ ليلاتِها سهرا
لكي يصبّ على العشّاق فضّتَهُ
و كي يردَّ على المفجوعِ ما خسرا
فلا يودّعُ ماءً لم يصرْ شررا
و لا يغادرُ صخرا لم يطرْ قمرا
هذا الذي أبداً ليلاهُ غربتهُ
و كم أطالَ غريبٌ نحوهُ النظرا
ينوحُ عند جياعٍ مات والدُهم
و يستريحُ على أضوائه الفقرا
يطلّ كلّ مساءٍ فوق قرطبةٍ
كما يطلّ على آهاتنا الشعرا
يغفو على نخلةٍ ظلّتْ مسافرةً
و النخلُ مثل جدودي يعشقُ السفرا
يصحو على أنّةٍ من صدرِ راعيةٍ
تنفّسَ الفجرُ من خصْلاتها فسرى
في كلّ بيتٍ له شبّاكُ أسئلةٍ
و كلّما برقت أنوارُه انبهرا
فإن يغبْ ترتحلْ دنيا بأنجمها
و إن يعدْ قد أعادَ الناي و الوترا
أراهُ حيناً على (الحمراء) منهزما
أراهُ حيناً على (الزّهراء ) منتصرا
هناك كان لنا كنزٌ فصار لهم
فمن يعيدُ لنا الأنهارَ و الشجرا
هناك كان لنا صبحٌ يطوفُ على
تلك السفوحِ و كم طافتْ عليهِ قرى
زريابُ بين خدودِ الحورِ منغمسٌ
بالزنبقاتِ إلى أنْ رقّصَ الحجرا
هناك يبكي على أقمارِهِ ملكٌ
و كلما ابتعدتْ عن عينه انكسرا
يا أيّها الشاهد المنسيّ قل لهمو
كيف العيونُ تراخت و الهوى استعرا
كيف الخيولُ تلاقت في مطامحها
كيف السيوف تنادت و الردى حضرا
كيف اختفتْ عينُ (أورورا ) و قصّتها
و هل لها مرةً مجبوبُها اعتذرا
و أين صار فتى عبّاد هل رجعتْ
بهِ الخيولُ إلى أحلامِه ظفِرا؟
خذني إلى حلُمي جئني بصورتِهِ
فلستُ أوّلَ حلْمٍ ضيّعَ الصورا
فإنني الوترُ المشنوقُ عازفهُ
بشرفةِ الليلِ أبكي الدربَ و الأثرا
و لا خيولَ أرى في الأفق عائدةً
و كم وقفت على معناي منتظرا
و لا عباءة قد لمّتْ كواكبنَا
و لا ربابةَ عادت تحملُ الغجرا
و شاخ بي ظمأُ الأيامِ أجمعها
فالريحُ ما جلبتْ نارا و لا مطرا
إنّي لأبكي على الأحجار لو خُدِشتْ
و لستُ أبكي على من خانَ أو غدرا
والآن يا قمري يا شيخ ملحمتي
فلنغتربْ زمرا و لنحترقْ زمرا
و يا قناديلَ هذي الليلةِ اتقدي
لأجلِ أندلسٍ و اساقطي دُررا