الفرَحارتسمت ابتسامة عريضة على وجه العروس و هي تستقبلني. كانت لا تسعها الأرض و لا السماء من السعادة، تطير كالفراشة من مكان لأخر و إن كان يشوبها بعض التوتر والخوف و ربما الارتباك.
بدأت الاستعدادات للذّهاب إلى الحمّام التقليديّ و الحماس يملأ كلّ كياني لأنني سأكون بجانب صديقتي من أول طقوس زفافها. فقد كان ذلك حلمي منذ زمن. كانت العروس هناك و هي محاطة بالشّموع و البنات تدور حولها بالدفوف. كأنها بدر في سماء بنجوم متلألئة. وعند عودتنا استُقْبِلت بالتمر و الحليب كضيف عزيز أتى من بعيد.
ما أن حلّ المساء حتى بدأت مراسيم الحناء. تمنيت لو كنت مكانها. الكل مهتم بها. عملوا ما في وسعهم لتكون في أجمل حلة. كانت محور كل شيء. سلطانة يومها، تأمر و يلبّى طلبها. العيون عليها بالخير و بالشر. و لن يخيب ظنّي إن قلت أنها أمنية كل فتاة حاضرة.
يا لروعة الموقف عروس تتصدر الغرفة في مجلسها البهيٍّ و المزينة ترسم أشكالا بالحناء على يديها و رجليها و هي تنظر إليها نظرات غير مصدق.
في هذه الأثناء، حضر أهل العريس بموكب الهدايا، فكانت لحظةٌ مُؤثِّرةٌ، ارتفع فيها الإيقاعُ مُختلطا بالزّغاريد.
التقت العائلتان، تقاربت الأجساد و تباعدت النُّفوس، أهل العريس يفتخرون بعطاياهم و أهل العروس يبحثون عن النقائص و في نفس الوقت يتباهون بها أمام الأقارب و الجيران.
عُرِضت الهدايا وسَط فناء الدّار بطريقة مُرتبة و أنيقة، وتجَمّعن حولها المدعوات و هُنّ يتفحّصنها. وقد كُنت أسمع تعليقاتهنّ حول طريقة الخياطة ونوع الأثواب وثمنها. كما لاحَظت امتعاضَ بعضهن حسدا. و لكنَّ ذلك كان وقعه على أُمّ العروس فرَحا.
هاهي العروس في ليلتها الكبرى تتربع عرشها و هي محمولة في مقصورتها. تلوح بيديها و تلقي إلى الحاضرات نظرات خاطفة بابتسامة عريضة تخفي بين طياتها الكثير من الدلالات.
و إنا اتبع مراسيم الحفل، سافرت بخيالي إلى جزيرة الأحلام. هناك تراقصت الكلمات داخل دماغي و ترابطت فيما بينها و كونت جملة من الاستفسارات عن ماهية شعورها في تلك اللحظات.
استرجعت بذاكرتي حفلات سابقة كانت العرائس في نفس موقفها كأن فرح العمر كله اجتمع في ذلك اليوم فلا يبقين منه إلا بعض البقايا للأيام الآتية.
كأنهن يُخفين وراءه خوفهن من الحياة المقبلة. أو يتخدّرن بٍه لنسيان ألم الفراق لأهلهن.
استيقظت من أحلامي التي أخذتني بعيدا على وقع ارتفاع إيقاع الأهازيج بدخول العروس و بجانبها العريس و كأنّ وجهه مُحمرا من شدة الخجل فهو الرجل الوحيد في قاعة مليئة بالنساء.
شرَدت بيَ خواطري حينها إلى واقعة حصلت أيام طفولتي حيث سكب العريس كوب الحليب على ثيابه. فقد كانت يده ترتجف من شدة الارتباك أمام عيون مُؤنّثة مسلطة عليه. لكن بطلنا هذا حافظ على هدوءه و مرت طُقوس تلبيس الخواتم في سلام.
و أخيرا ودّعانا. وخرجا مع أُغنية حزينة اعتصرت من الأفئدة ما تبقى من آلام الفِراق. فوقفت أراقب صديقتي العروس و هي تبتعد ويكبر معها إحساسي الداخلي بتباعد المسافة بين عالمي و عالمها الجديد.