النص
أشرقت
بقلم الشاعر محمد الشحات محمد
فتَحتْ طفولتَها على عينٍ تواريها براويزُ الأشعة في جنوب اليتم ..، ذات محبة راحت تراود نفسها عن نفسها ..، تنسابُ في المرآة ، تبدو سِدْرةً حينًا ، وحينا تشتهي جسد التَّمنِّي عاريًا .. ، دقّتْ محطات الأنوثة في السياسة ..، أشرقت.
***
القراءة
تلح القصة الشاعرة على المتلقي بضرورة إعمال الفكر تفكيكا لصورها وتحليلا لرموزها بغية الوصول لفكر النص وغاياته، وقد أشرق معي الفهم هنا منذ العتبة الأولى للنص في العنوان " أشرقت" والذي يشع معلنا إتجاه الحرف نحو النور في بهاء تستقبله الكلمة الأولى في الصورة الأولى " فتحت" لتتوالى الدوال الإشراقية في نفس الاتجاه ..
فتحت طفولتها بدلالات البدأ وأول العمر وبوابة الحياة والبراءة والنقاء .. عين بما في العين من معني الرؤية والنور والإدراك ..
براويز الأشعة .. وبراويز الأشعة تواري العين وما انفتح عليها، وأظنها انعطافة كانت ضرورية بتأطير الأشعة والمواراة قبل وصولنا ذلك المرفأ الحزين "جنوب اليتم" والجنوب الجغرافي -فيما هو مجمع عليه تقريبا- عالم متأخر، فالجنوب أفقر، والجنوب أضعف، والجنوب أكثر تعصبا ورجعية وأقل حظا، واليتم حرمان وضعف وقلة حظ وفرص .. فقد كان جنوب اليتم بقتامته هو البيئة التي ولدت فيها هذه المشرقة.. وننتظر مزيد إضاءة لنقرأ دالة هذا العنوان "جنوب اليتم".
ثم وبالتركيبة الظرفية العجيبة "ذات محبة" يعرج بنا القاص نحو عرض جميل للحوار الداخلي الذي عاشته البطلة الرمز، مقدِّما لإيجابية ما وراءه بالمفردة الجلية المعنى "محبة" وهذه المحبة كانت إطار ما حاكت به نفسها وما أرادت وتصورت، حتى في "انسيابها" في "المرآة" التي تعكس الذات المنطبعة على صفحتها صورة عابرة لا ثبات لها يمتد طرفة ولا أقل عن عبور المار بها..
وفي المرآه كانت تبدو لعين ذاتها أحيانا بروعة السدرة الطيبة الورق والثمارالكريمة المعطاء، وتضيق أحيانا بحمولتها من الخير تلك فتودّ لو تعرى من ورقها وثمرها لتنتصب في وجه المطامع مخيبة ظن شباكها
وتتفتح الأستار عن معان جديدة أمام هذا الإنفراج في فهم الدوال، فثمة سدرة معطاء عافت حملها حين رأت صورتها التي عبرت المرآة تكشف لها حقيقة أو حقائق غابت عنها، فهل رأت نصال الطامعين المتربصة بها، أم رأت انحرافها عن مسار شراقها أم ...
وفي إضاءة أخيرة قبل اختتام النص نقرأ دقت محطات الأنوثة في السياسة، لنرى مسارات التأويل الألصق بغايات الحرف، ونعود لرموز غير مقروءة تقدمت فنقرأ ثورة أشرقت في بيئة من القمع والظلم، وقبل أن يتفتح بها نهار الخير غافلت مسيرتها مطامع المتصيدين الحصاد فيما زرع غيرهم، فتأرجحت بين أن تتحقق أو تُجهض، لتنطلق من جديد معلنة نور ذاتها بـ أشرقت.
وفي اختيار القاص اختتام نصه بالفردة عينها التي كانت عتبة الدخول يظهر كم الأمل والثقة بالغد التي حرص على إسكانها القصة سواء باختيار المفردات أو مسار التدوير القصي في خلفية اللوحة المرسومة.
كثافة الرموز وعمقها استدعى قراءات عدة لنص قبل ما أزعم من نجاحي بفكها واستجلاء دلالاتها، وفيها قرأت نموذجا لافتا للقصة الشاعرة بانسياب الإيقاع الصوتي وجمال اختيار المفردات وتوظيفها والتدوير الشعري والتدوير القصي والتكثيف السردي وال مزية العالية ..
وكانت متعة ذهنية كبيرة عشتها بالانفراجات المتوالية على الصورة النهائية
دمت بخير أديبنا
تحاياي