لا يفيد البكاء على الصورة ، لكن يفيد تأمل حقائقها وقراءة معانيها وخلفياتها ، وصورة طفل الشاطئ وضعت حقيقة واقع العرب الآن أمام أعينهم .
العرب تم اختراقهم بالفتن والانقسامات ، وتم بالفعل دخول الأعداء كل بميليشياته ، وتم تدمير وتفكيك بنية الأوطان العربية ومؤسساتها ومحو حدودها .
ماتيو كرواساندو الكاتب بمجلة لونوفال أوبسرفاتير تحت عنوان " كل هذا من أجل هذا الجحيم " ، يقول " إن الصورة الفظيعة كفيلة وحدها بإقناع العالم وأوروبا ، بضرورة المرور من طور الاكتفاء بالكلام إلى طور الفعل وفوراً " .
ماتيو يوجه نداءاته لأوربا والعالم ، بينما المشكلة فى الأساس عند العرب وحل المعضلة لدى العرب .
كيف تحول العرب فى أكبر وأهم معاقلهم التاريخية الى مهجرين ولاجئين ؟
حدث هذا عندما تخلينا عن تماسكنا العربى ووحدتنا العربية ، وقبل البعض أن يذهب الى بيت الطاعة الايرانى وبيت الطاعة الأمريكى يكنس الأرض ويمسح ويغسل ويكوى ثياب الملالى والجنرالات وأعضاء الكونجرس .
عندما تخلوا عن الحرية واستقلالية الارادة ورضوا بمصير خادمة تنتقل من متعهد الى متعهد بحسب احتياجات سوق السياسة الاقليمية والدولية .
لماذا تفقد بعض الأوطان العربية اليوم هويتها ومصادر قوتها وتتحول شعوبها الى مجموعات من اللاجئين ، يتفرج العالم كله على مآسيهم وعذاباتهم اليومية .
لأننا لم نعد على حقيقة العرب الحقيقيين ، الذين كانوا يخيفون الأعداء فلا يقتربون من أراضيهم ولا يجرأون على اقتحام حدودهم بسكينة أو حجر ، فضلاً عن اقتحامها بجيوش الميليشيات الطائفية .
ضرب أحدهم يوماً لذلك مثالين : الثمار المصنوعة من الخزف تتراءى للناظر كأنها تفاح ورمان وبرتقال وموز فى اللون والشكل ، ولكن أين الصورة من الحقيقة وأين طعم هذه الثمار ورائحتها ؟ انها ليست الا للزينة ، كذلك فى المتحف ؛ نرى كل نوع من السباع والأنعام والطيور الجميلة والعصافير الصغيرة ، ففيها الأسد والذئاب والأفيال ، وفيها كل طائر جارح وكل سبع مخيف ، ولكنها جثث هامدة لا حراك بها ، وأجساد ميتة محشوة بالليف والقطن ، ليس فيها رمق من حياة وقوة تهجم بها وتصول .
أكبر انقلاب وقع فى تاريخ هذه الأمة هو أن الصورة احتلت مكان الحقيقة ؛ انها صورة مجرد صورة ، لا تستطيع أن تسد مكان الحقيقة وتنوب عنها ، ولا يمكن أن تمثل دورها فى الحياة وتأتى بما تأتى من عمل ونشاط ، ولا يمكنها أن تقاوم أو تنتصر على حقائق الباطل المبثوثة فى العالم ؛ لأن الصورة المجردة أضعف من أن تنتصر على أى حقيقة .
لم يعد العرب على حقيقتهم الأولى ، فكيف يصمدون أمام حقيقة وواقع الفرس والروم الآن وما يمتلكون من جيوش ومخططات وعقول وارادة مشتركة ؟
الأعداء الذين كانوا يرون الصورة من بعيد يعتقدون أنها هى الحقيقة فيذعرون ولا يجرؤون على الاقتراب ، فكانت هذه الصورة كمجدار " خيال مآتة " ينصبه الفلاح فى حقله كيلا يحل فيه الطير والوحش ، ولا تزال الطيور والوحش تظن أنه انسان أو حارس فلا تقربه ، حتى تشجع غراب ذكى جرئ فيجد أنه ليس بشئ ، فتدخل الطيور والوحوش فى هذا الحقل وتعيث فيه وتتلف زرعه ، وقد وقع للمسلمين والعرب نفس الحادث .
لقد حرستهم صورة الاسلام وصورة العربى البطل مدة طويلة جداً فلم تجترئ عليهم وحوش العالم وذئابها ، ولم يدر بخلد أحد أن يمتحن هذا الشبح المخيف ويتحققه الى أن أغار التتار على بغداد ، يومها افتضح المسلمون والعرب وظهر افلاسهم فى الروح والقوة المعنوية ، من ذلك الحين أصبحت الصورة عاجزة عن أن تحافظ عليهم وتذود عنهم المكروه وتدفع عنهم غارات الأمم .
ولا يزال المغول الطائفيون يقتحمون ديارنا وبلادنا العربية ويرتكبون فيها الأهوال ، وهدفهم التهام العرب جميعاً وبلادهم وثرواتهم .. مالم يسارعوا الى العودة من جديد الى الحقيقة ، انطلاقاً من نقطة الصمود العربى الأولى ... مصر .