من فنون علم البديع : اللف والنشر أو ما يسمى ( الطي والنشر)
قسّـم علماء اللغة البلاغة إلى ثلاثة علوم وهي علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع. والأخير يختص بتحسين أوجه الكلام اللفظية والمعنوية. وأول واضع قواعد هذا العلم الأديب والشاعر الخليفة عبدالله بن المعتز، أحد خلفاء بني العباس، في كتابه الموسوم ب- البديع، ثم جاء بعده قدامة بن جعفر أضاف فيه محسّنات أخرى في كتابه (نقد الشعر)، وبعد ذلك توالت المصنفات في هذا العلم وصار الأدباء بعد ذلك يتفنون في استنباط فنون بديعية أخرى وزادوا في أقسامها، حتى بلغت عددها ما يربو على مائة وخمسين نوعًا. ومن هذه الأنواع اللف والنشر ويسمى أيضاً ( الطي والنشر).
اللف والنشر أو ما يسمى ( الطي والنشر)
يقول البلاغبون عن اللف والنشر أو( الطي والنشر) هو استعمال معان متعددة عائدة عليها معان اخرى متعددة من دون ان يعين المعنى بما يعود عليه. بعبارة اخرى: هو أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً على ذكاء السامع في إرجاع كل صفة إلى موصوفه. مثلاً إذا أتى المتكلم بمتعدد، وبعده جاء بمتعدد آخر يتعلق كل فرد من أفراده بفرد من أفراد السابق بالتفصيل ودون تعيين سمي صنيعه هذا " لفاً ونشراً ".كأن نقول: " طلعت الشمس وبزع القمر نهارا وليلا" وكما في قول الشاعرة الاندلسية:
ولما ابى الواشون الا فراقنا
وما لهم عندي وعندك من ثار
وشنوا على اسماعنا كل غارة
وقل حماتي عند ذاك وانصاري
غزوناهم من مقلتيك وادمعي
وانفاسنا بالسيف والسيل والنار.
حيث استعملت الشاعرة المقلتين والأدمع والأنفاس عائدة عليها المعاني التالية (السيف والسيل والنار) دون أن تربط المعنى بما يعود عليه اعتمادا على فهم السامع او القارئ حيث أن السيف يعود الى المقلتين والسيل يعود الى الأدمع والنار تعود إلى الأنفاس لما بينها من التشابه.
واللف والنشر قسمان:
وهما ذكر عدة أشياء على سبيل الإيجاز، ثم ذكرها على سبيل التفصيل.
1 - اللف والنشر المرتب :
وهو الأصل وهو ذكرالأشياء المتعددة، ثم ذكر ما يتصل بها على سبيل الترتيب، الأول للأول، والثاني للثاني، وهكذا مثل ذلك قول الله تعالى " وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ َكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ" فقد جمع في هذه الآية الليل والنهار أولاً، ثم ذكر السكون لليل وابتغاء الرزق للنهار على الترتيب.
2- والنشر المشوش) المعكوس) :
وهو الفرع، ويعدّ خروجاً عن الأصل: هو أن نذكرالأشياء ثم نذكر ما يتصل بها، ولكن لاعلى سبيل الترتيب، فربما نذكرالمتقدم للمتأخر، والمتأخر للمتقدم، وهكذا كقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). هذه الآية الكريمة من النوع الثاني، وعدم الترتيب فيها لنكتة بيانية لقول المفسرين. قوله تعالى فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُم"، وهذا تفصيلٌ لأحوال الفريقين بعد الإشارةِ إليها إجمالاً، وتقديمُ بـيانِ هؤلاءِ لما أن المَقام مقامُا لتحذيرِ عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بـين الإجمال والتفصيلِ والإفضاءِ إلى ختم الكلامِ بحسن حالِ المؤمنين كما بُدىء بذلك عند الإجمالِ.
من أراد التوسع يرجع لكتابنا " مفاهيم تحت المجهر "
يتبع ...