تأويل ..!
( قصة قصيرة )
عربد الأَسْود في المشهد، خنق المساحة الفسيحة للصالة.. و خنق معها أملها الواعد في الصعود!..
جثم الصمت بظله الثقيل على الحناجر الهاتفة، و الثغور المهللة، و الأكف المصفقة.. و أحال المكان مأتما لا عزاء فيه!
هربت الدماء من وجهها، كسته قشرة من الشحوب الفاقع.. أحست بطبقة من الصقيع تسري في جسدها، فتكبل انطلاقها، و تشل عزمها عن استئناف الحلم!
الفراغ الهائل الذي يكبل روحها، يعملق كل شيء؛ أنفاسها المتلاحقة، تزأر كأعاصير المحيط!.. خفقات قلبها الواجف، تدق كطبول حرب!..
كانت السقطة مدوية!.. ترددت أصداؤها في أرجاء القاعة المديدة!..واسترط دَوِيُّها الضخم تلك الوشوشات من الأنغام الرقيقة!.. التي كانت تضطرب كفراشات على سلم الأثير.
الفشل يقبع أمامها بوجهه القبيح، فاغرا فاه الشاسع، ليبتلعها مع فاشلين مثلها، في بطنه الذي لا يشبع!
سطوة الواقع.. أكبر بكثير من ترهات القصص العديدة، التي قرأتها عن نهوض الناجحين بعد عثرات الخيبة!
كان منظرها، و هي تحدق في اللاشيء بعينين ذاهلتين، و وجه متكلس القسمات.. يبعث على الأسى، و يستدر الدموع من المآقي..
- سحقا لليوم الذي زججت فيه بنفسي في مثل هذا العبث!!
.. صدى تصفيق واهن، ينبعث من وسط الكراسي، تتكشف معه أسارير السحاب عن شعاع ضوء، يتمدد رويدا رويدا في هذه السماء المكفهرة، فيفتح في صفحتها الملبدة روزنة من النور، تغمر المشهد المعتم، و تبدد هذه الحلكة القاحلة!
افتر ثغرها عن ابتسامة ندية، لطفت من شدة القحط الذي يحرق سنابل أملها، رفعت رأسها.. أدارت بصرها في المكان، فأبصرت الوجوه المتهللة، و الستائر المخملية التي تزين نوافذ القاعة، و القبة المهولة التي تحتضن المشهد. و من يدري.. لعلها تكون بعدُ شاهدة على هذا اليوم الأغر..
من يدري.. لعل قصتها هذه، تنتزع لها مكانا بجانب قصص الناجحين!.. ليس من المستبعد أن تصبح رمزا يتعشقه الطامحون، و يترسم خطاه عشاق الأمجاد..! بل ربما نصبوا لها تمثالا من الرخام في إحدى الساحات العامة، أو سموا باسمها شارعا رئيسا في وسط الولاية!..
على الرغم من الكسر الذي أصاب كاحلها، واصلت بقدم واحدة!..
-لا شيء مستحيل.. مع الإرادة.
لم تكن حركاتها بالتناسق المطلوب.. كان أثر نقصان قدم من قدميها واضحا.. و الاضطراب على تمايل جسدها.. كان بينا.. لكن.. ما عساها تفعل أكثر من ذلك بقدم واحدة؟!!
على زخم التصفيق، و التهليل.. و صيحات الإعجاب، و عبارات الثناء.. انحنت.. مدت ذراعيها محيية، ثم انصرفت ..
لم تفلح في الفوز بأي جائزة!.. غير أنها قنعت بالشهادة التشجيعية التي مُنحت لها عرفانا بتفانيها، و تقديرا لمجهوداتها العملاقة.
.. لم تصدق نفسها، حين رأت الفيديو الذي يخصها، يحصد في اليوم الأول أكثر من مليون مشاهدة على صفحة اليوتيوب!!
ضغطت على رابط الفيديو، قرأت ما كتب تحته بالبنط العريض:
أتحداك ألا تموت من الضحك!!!
في هذه الأثناء.. أحست بألم الكسر، يعاود قدمها من جديد!!