هناك على سفح الجبل الاخضر كان بيتي , كانت ضيعتي الصغيرة الهادئة البعيدة عن ضوضاء الحياة وصخبها كأنها وجدت بتضاريس خاصة, تحيطها اشجار الصنوبر المسنّة من كل جانب وتطل على واد رقراق غاية فى الجمال.
هناك عشت وهناك ترعرعت على رائحة الصنوبر العطرة وهناك كنت ارتع على هضبات المروج الخضراء بين سنابل القمح اليانعة وازهار الزنبق الزهري , ما زلت اذكر حين كنت امشي على حافة الوادي وارمي بورودي الصغيرة وأنا اراها تبتعد بعيدا ويأخذها سيل الماء , هناك فى زوايا ضيعتي رسمت على جدرانها اسماء كل صديقاتي ودوّنت بضعة اسطر من احلامي عندما اكبر وما هي طموحاتي , هناك على سطح منزلي كنت كل يوم اجلس لارى مغيب الشمس وهى مودّعة لتستقبل يوم جديد , هناك فى احد مدارج القرية كنّ يجلسن الجدات ويروينا لاحفادهن قصص لطيفة فكنت اسكن حضن جدتي وانصت بأهتمام بالغ .
هناك فى الحدائق الغنّاء كنت اقطف باقات الازهار واجرى عند امي لاعطيها هدية طفلة بريئة طامعة بحضن دافىء , هناك وفى اعلى السفح الاخضر كانت ترقد نظراتي !!!!! كنت ادقق النظر على تلك السفوح اليانعة بسنابل القمح المتمايلة مع نسيم الهواء العليل ..... كان عشقي الوحيد هو ان اجلس وحدي بين احضان الطبيعة أستظل بشجرة السنديان المعمّرة وانظر بعيدا بعيدا ... كنت أشعر بشيء غريب يتحرك داخلي .....كانت نفسي البريئة تهدف الى الكثير الكثير ... لم تكن احلامي كأى طفلة تحلم بلعبة او ثوب جديد فى العيد ,, كانت نفسي تتعدى تلك الاحلام والحدود .كل يوم كنت أتسلل الى تلك الروابي .... واجلس واطيل النظر الى الافق البعيد .. تارة احدّث نفسي ... وتارة اخرى تحلّق روحي مع تلك العصافير... ,وتارة اخرى اجلس وأحفر على جذع الشجرة خواطر طفلة حالمة ..... وتمر ساعات وأنسى نفسي على تلك الروابي ....وتذكرني اشعة الشمس المسترسلة بعودتي.....فأركض مسرعة بين الحقول لأعود الى بيتي ........ لان غدا هناك موعد مع تلك الروابي جديد .....يأتي الليل ويحين موعد نومي وعندما اضع نفسي على سريري الصغير المطّل على شرفة صغيرة كان ضوء القمر يسطع على وجهي كنت انظر الى تلك النجوم واعدّها وكم كنت اخطيء فى حساباتي واعيد من جديد وكل يوم اعيد واعيد ..... كان القمر بالنسبة لي وجه جدتي التى فقدتها ..... كنت اشعر بأنه ينظر الي فقط انا كأنه قمري لي وحدي فيا لتفكير طفلة مشاغبة !! كنت احدّثه عن تلك الروابي عن احلامي عن احب الاشياء الى نفسي ... عن امنياتي!!!!!! كنت اشعر انه ينظر لي ويستمع الى تلك الطفلة الحالمة ...... كأنه يقول لي نامي صغيرتي ..... فغدا لنا موعد جديد ...... نامي فالاحلام لا .....تنتهي.