|
ويبقى الجرح نازفا
من بعيد كان يصله أنين موجع ,هز كيانه ,فجعله يحس ألم الأرض; وهي تتحمل هذه الأجساد البشعة,
التي تتنقل فوقها
حنينها الجارف للأيادي, التي كانت تستخرج; بحب كبير, كنوزها .....................
فتبدل بسخاء كل ما بداخلها ..
كور قبضته وضرب الجدرا بقوة ,وانتظر لحظات ,قبل أن تصله ضربة واهية ..
ترنح في مكانه ,ثم صرخ بأعلى صوته:
محمود, هل أنت بخير!!!
رددت الجدران صوته ...بعد لأي , وصله صوت الأنين المتقطع ,فأنهى ما كان عنده من صبر "كانت إشارة بينه, وبين محمود, صديق العمر; الطرق على الجدار"
أخذ يصرخ, بجنون :
- لن ننسى ماتفعلونه بأجسادنا ,وأرواحنا ,وأوطاننا!!
ولن نغير الأسماء مهما كان ........
فلتفعلوا ما شئتم, أيها الأنذال !!
ظل يصرخ ,ويصرخ,وصابر يربت فوق كتفه, ويردد:
- لا يجدي نفعا, ما تفعله بنفسك...
شد رأسه بين يديه ثم أجهش بالبكاء.......
الأنين مازال يمزق أحشاءه ,وصت نساء فقدن صوابهن ,يزغردن ,بينما هو يتأمل الجسد الصغير,المسجى.
كان نائما ,وبين يديه ضم عنوان التحدي ,حجرة صغيرة ,ربما كان يلعب بها,أو يرمي بها وجوها قذرة ,مل رؤيتها!!!!!!!!!
والزغاريد ,كانت تزفه إلى حيث رقد أبوه ,وجده,وأبناء وطنه الأبرار...
كره الزغاريد من يومها ,لم يستطع أن يستوعب قدرة هؤلاء النسوة ;على الحزن, والفرح, في آن واحد..
مرت الأحداث ,أمام مخيلته .واستشعر ألما كبيرا ,في كل أنحاء جسده ,المنهوك.
ثم ,طفت على السطح مشاعر الحزن القاتل ,التي تلت رحيل الصغير .
الفراغ الذي غمر روحه,وهو يطوف الأزقة ,والشوارع ,فتداهمه الوجوه الحليقة ,الخائفة,المتوجسة.
عبثا ,كان يبحث عن القناص الذي اغتال العصفور الأخضر .المغرد.
الذي كان شدوه, يرسم الخطوات, بثبات. نحو أرض الأحلام ,
صراع مجنون يشطر فؤاده نصفين:
- حماقة أن تستمر في البحث,وجنونا أن تلود بالصمت.
خواطر عدة ,تنتابه وهو يسمع,عن من وهب حياته,في سبيل الله.
فجعل من جسده بركانا,يقذف بالحمم,وجوه كل المغتصبين .
ليذوقوا كأس المنية .
فكان ينتابه فرح هستيري ,وهو يرى الأشلاء الممزقة,على جنبات الطرق ,والممرات.والساحات التي شهدت ثورة طفل غاضب.
فكر بأن يغزو جنودهم,محملا بباقات ورد,قاتل ........
عندما ترسخت الفكرة في رأسه,وبدأ ينظم لها ,كثر اهتمام أمه به,وزاد حنانها ,وخوفها عليه.
مرة اقتربت منه وهمست قائلة:
لا تنسى أننا نحتاج إليك ,فأنت رجل البيت !!
قبل جبينها,تمتم قائلا:
- والإنتفاضة !!
اغرورقت عيناها بالدموع ,وبصوت أجش أجابت:
- أخذت مني الكثير .......
أغمض عينيه ,وتنفس بعمق ثم,ردد:
- مازال هناك الكثير,وأرضنا والحمد لله معطاء;لا تعرف البخل .
عندما أحس بقلبها الخائف ,الحزين .وهو يمر بذكرى مهجة الفؤاد ياسر ,دموع غزيرة شقت طريقها إلى وجنتيها الملتهبتين ,ضمها إلى صدره بقوة, وشاركها في بكائها الصامت.
في الخارج ,كان الغضب قد وصل الذروة .وبين الأطفال ,والشباب,أخذ يجمع الحجارة,ليرمي بها وجوه المحتلين..
فكانت تحمل حقده,وغضبه,وثورة شعب,أدمن الغضب .
وفي ظلمات السجون,كان هو ,وآخرون يحملون الحلم على أكتافهم الفتية ,ويمدونه من أرواحهم كي يبقى نابضا بالحياة .
ضرب الجدار مرة أخرى ثم صرخ مجلجلا :
لن يتغير الإسم ....
وسيبقى الجرح نازفا حتى الموت ,وسيكتب فوق الجبين ,اسمك يا فلسطين.
وفي الزنزانة المجاورة ,كان الأنين الموجع ,ينسجم وصوته الغاضب كناي حزين,في يوم حزين .......... |
|