في الطَّيف ، طالما كنتُ أطيرُ بجسدي - لا بروحي - حول منازلٍ وديارٍ ما رأتها قبلُ عينايَ ، هيَ أشبهُ بأكواخٍ جدُّ صغيرة وشفيفةٍ ، وكأنَّها لا تسعُ إلا لنَفسٍ واحدةٍ ، ولكثرةِ تردادي إليها إتخذتُ عندها كوخًا لي هناك ، فكنتُ كلما عدتُ تجوّلتُ مررتُ على هذا الكوخ الذي كان مكتوبًا عليه إسمي ، بل لكثرة زياراتي تعرّفت على الكثيرين من الجيران هناك ، وبعد انقطاع طويل ، وفي ليلة العيد الأخير ، عدت طائرًا إلى ذات المنازل ، وكان معي هذه المرة ولدي " عبد الله " ، فرأيت أنَّ البناء قد توسَّع كثيرًا ، وبعد جُهدٍ جَهيدٍ عثرتُ على كوخي بدلالةِ ولدي ، لكنّني فوجئتُ أنّ هناك من استوطنه !، مع بعض إضافاتٍ على البناء ، وحيث كنتُ مُرفرفًا قبالة الكوخ أبصرتُ رجلاً داخله وهو ينظر إليَّ من النّافذة ، فلما طرقتُ الباب لأستعلم الأمر أغلق ستائر النافذة ، وأطفأ النُّورَ ،
واستيقظتُ ، فإذا بي أردّد مع فكري دونما تأخير :
أيها الرَّاحل العزيز تأمَّلْ ... في السَّمواتِ ، ثمَّ نحوي ترجَّلْ
واخبرنّي متى تزورك روحي ... هل بذات النَّوى غدًا ما يؤمَّلْ
فيمَ دمعي مع الأثير ينادي ... أيها الرَّاحل العزيز تمهَّلْ