....وكانت أيام.....
توقفت العجوز عن إرتشاف القهوة (التي تحبها كثيرا) بعد أن تناهى إلى أذنيها كلام زوجة إبنها الجارح وهى تسخر بها
وتصفها بالتخلف والخرف ،
كتمت المرأة الكبيرة غيظها كعادتها خوفا على بيت إبنها وأولاده من الإنهدام والضياع ،
ونظرت بستغراب إلى هذه المرأة المستهترة اللجوج وتعجبت لما لا تشكر نعم الله عليها
وهى تعيش عيشة أميرات قصص ألف ليلة وليلة ،
أنواع الملابس ، وألذ الأطعمة ،وفاخر الأثاث ،
وخروج لا يكاد ينتهي الأ ليبدأ إلى الحدائق والمنتزهات والأسواق
ومقابلة الأهل والصاحبات مع فراغ كبير وترك أعمال المنزل للخدم والخادمات ،
وقالت في نفسها لو أن بنتي هذه تعلم ماكنت عليه أنا وبنات جيلي في شبابنا....
ثم سرحت بخيالها إلى تلك الأيام الخوالي عندما كانت عروسا لم يمضي
على زواجها أكثر من عامين في بادية تعيسة لا ترحم نعومة الأنثى ولاتؤمن بنبض القلوب الحنونة
إذ أخذت رضيعها الصغير(زوج هذه المرأة فيمابعد) في (مزبل) على كتفها
وساقت أغنامها الكثيرة بعدما إنتهت من أعمال البيت وواجبات الزوج
وذهبت إلى أعالي النوايف بحثا عن مرعى للغنم
وفي قمة الجبل الكبير جلست تلاعب إبنها وتراقب غنمها
ثم ارسلت طرفها على امتداده إلى ديار أهلها وهى تراها أبعد ماتكون برغم قرب المضارب
داعبها الهواء البارد ، وحرك شجونها رؤية السحاب
على مرابع والدها الكبير في مقامه والعطوف في أبوته
وشعرت بطوفان جارف إلى رؤيته وشم رائحته ورائحةالأهل كلهم
إذ إنها منذ يوم عرسها لم تكتحل عينيها بهم
وكيف تستطيع أن تترك زوجها و بيتها و أغنامها وتذهب إلى بيت اهلها
إن هذا في عرفهم جريمة لاتغتفر
إنها تشعر إنها مكبلة بقيودأشد إيلاما من قيودالحديد
ولم تجد متنفس الا ترديد أبيات عاطفية بصوت شجي
ثم الدخول في نحيب شديد وضم لإبنها الملائكي الصغير الذي تجد فيه سلوتها
وملاذ صبرها بعد ذكر ربها والصلاة له .
عادت المرأة الكبيرة من شرودها ودموعها تفيض على خديها
ثم قامت إلى مصلاها تستغفر الله وتدعو لإبنها وأولاده بالخير والسعادة