ابتسم لها ابتسامته الطيبة التي تخفي وجعه في رؤية وداعها، وكان قبل فراقه لها في كل يوم ينحت أجمل الأبجديات في لغة راقية تلهمها أنها نَفسه الذي لا يفارقه
وكيف له أن يعيش دونها وهي التي تزوجته تاركة وراءها صخب إخوتها الذين يعددون كل يوم مال أبيها الذي لم تنشف تربة قبره بعد، ويجرون أصفاد الإرث من محكمة إلى أخرى وأم متسلطة تكره تاء التأنيث التي ترصع اسمها.
كان قدرا ..نعم قدرها الذي تخلت من أجله على العمل ومكثت في البيت إرضاء له.
وكم تمنت قبل أن يداهمها العمر أن تنجب طفلا يلهيها ويرفع ثقل وحدتها عنها في غياب زوجها العسكري..
وحدهم حماة الوطن هم الذين يعلقون آيات أمانيهم بعيدا عن أنظارهم، حرمانهم من حياة عادية يقتضي ذلك، فبشير الذي كان يعدها قبل زواجهما بحياة مشتركة ولقاء يومي بات محض ضيف يزورها أيام عطله..
كانت وهي الأنثى في أول أيام شبابها العشريني تعلق وجهها أمام المرآة تبتسم لنفسها ترى جمالها المغري تحدث وحدتها
كيف سأكلمه في الهاتف.. ماذا لو أتى الآن...ربما يأتي
تعود مؤكدة لنفي اعتقاداتها هو لن يكون هنا..ما أبعده عني!
حتى آخر مرة اتصل بي فيها كانت نهاية الاتصال الفصل الاضطراري..فقد كان نداء واجبه يقتضي أن لا يتركه..
وأنا ألست واجبه..ألست زوجته التي يحبها..وتعيش دونه كل هذه السنوات الخمس..
للبلاد أبناؤها الملايين وليس لي أحد..
كيف يجعل مني هواية يمارسها أوقات فراغه... لا بد أنه الآن ينعم برفقة أصدقائه..وربما هو في هذه الليلة الباردة مع امرأة أخرى..
تزينت كعادتها صففت شعرها لبست ثوبا مخمليا أحمر ولبت نداء حلمها على شرشف النوم..
اتصل بها صرخت في وجهه كيف تتركني وحيدة أتجرع في بعدك هوس انتظارك
أين أنت..أين كنت..مع من..
أغلق في وجهها الخط في لحظة أنانية يلبسها الرجل عند اشتداد العتاب..
بعث لها رسالة : انعمي بحياتك دوني ..لن أعود مجددا..
سأبقى هنا بين أحضان أمي..
تلتها ورقة طلاقها التعسفي..
كانت ملاك تتساءل ماذا حدث..؟
كيف له أن يتغير بهذه السرعة لا بد أنه كان متزوجا ..؟
لا بد أنه سيعود....
انتظرته لسنتين لم يعد ولم تسمع طيف صوته يحدثها..
عاهدت نفسها بعد ضغط من أمها أن تتزوج مجددا
وتترك الماضي يوغل في النسيان
تزوجت ملاك أنجبت طفلين من رجل غني جدا
وذات يوم وهي تقلب قنوات التلفاز رأته...نعم هو نفس الوجه نفس الصوت
لكنه تغير هو مبتور اليدين مقعد على كرسي متحرك في حصة عن ضحايا الواجب الوطني..كان تاريخ سقوطه هناك بإعاقة بالغة قبل تاريخ طلاقها منه بأشهر..
لم لم يخبرها؟ لماذا أغلق الخط في اتصال معها...؟
ربما كان لا يريد أن يجعلها تحتمل أكثر..
كان اتصالهما هو القطرة التي أفاضت الكأس..
كانت لا تعلم أنه يعاني هناك في إحدى المستشفيات لينجو من الموت وأنه تذكرها ليتصل بها
ليسمع صوتها قبل موته المحتمل..
لكن صراخها ولومها أشعره باللا مسؤولية
قطع الاتصال باكيا وبعث لها وثيقة موته
طلاقها................