قبّلت وحيدها كالمعتاد عند باب المدرسة , وانطلقت من جديد الى مقر عملها . يمكنها أن تطمئن عليه الآن .
مضت سنوات قليلة على وفاة والده في حادث سير أليم , ابتلعت أحزانها وواجهت الحياة ومسؤوليّاتها , ودفنت قلبها مع حبّها الوحيد . سيرنّ بعد قليل هاتفها , سيُكلّمها رئيسها في العمل , وجارها القديم في بيت العائلة . الشّاب المهندس الخلوق الّذي تقدّم لخطبتها ثمّ اكتشف أنّها على حب وارتباط , اتّصل بها بعد مُضي شهور قليلة على وفاة زوجها , وصدّته , ثم صار يُلحّ ويطلب مقابلتها باستمرار .
ليس فيه ما يعيب , لكنّها لم تُحب الاّ مرّة واحدة , ولا يُمكنها أن تتصوّر نفسها في حبّ جديد . على جانبي الطّريق بدأت الأشجار تتزيّن , ذهب الشّتاء الكئيب , اخضرّت الأغصان , تفتّحت الزّهور , وغنّت الطّيور . أحسّت بعبير الجو , تنفّست بعُمق , ما الّذي يضير لو تجاوبت معه الآن ووافقت على لقاء يجلسان فيه ويتكلّمان ؟ تذكّرت كلمات أمّها حين قالت لها ذات صباح حين كانت تتأهّب للخروج إلى العمل : المرأة يا ابنتي أرض خصبة ودوحة غنّاء لا تموت , تتساقط الأوراق في الخريف , تنام الأغصان في الشّتاء , ثمّ تولد البراعم في الرّبيع .
استيقظت من غفوتها على رنين الهاتف الموعود , خفق قلبها بشدّة , أمسكته بحزم , وأجابت بنبرة حادّة وهادئة : نعم اختر مكانا نلتقي فيه عصرا بعد العمل . وكانت في الصّيف حفلة العرس