|
إِنِّـــي أَمَــرْتُــكَ فَــاصْــدَعْ أَيُّــهَــا الــقَلَمُ |
أَنَــا الــكَلامُ وَغَــيرِي فِــي الــوُجُودِ فَمُ |
أُكْــتُــبْ وَسَــطِّــرْ وَفَــجِّــرْ كُــلَّ قَــافِيَةٍ |
وَابْــذُلْ مِــنَ الحَرْفِ مَا لا تَبْذُلُ الدِّيَمُ |
أُكْــتُبْ فَــإِنَّ الــمَصَابِيحَ الــتِي ائْــتَلَقَتْ |
عَــلَــى الــزَّمَــانِ سَــتَــخْبُو ثُـــمَّ تَــحْــتَدِمُ |
وَتَــبْزُغُ الــشَّمْسُ فِــي كَــانُونَ سَــاطِعَةً |
تُــذِيبُ صَــخْرَ الــذِي بِــالصَّيفِ يَــعْتَصِمُ |
إِنِّــي أَنَــا الغَيثُ فِي عَصْرِ الجَفَافِ وَفِي |
جَــدْبِ الــمَوَاسِمِ إِنِّي الخَصْبُ وَالأَجَمُ |
لِــي فِــي دُجَــى الرَّأْيِ قِنْدِيلٌ وَلِي لُغَتِي |
وَلِــي عَــلَى الــحَرْفِ إِكْــلِيلٌ وَلِــي حُلُمُ |
قِــيثَارَتِي مِــنْ هَدِيلِ الرُّوحِ قَدْ عَزَفَتْ |
نَــجْوَى الــفُؤَادِ الــذِي بِــالقَسْوَةِ اتَّهَمُوا |
وَرحْــلَتِي فِــي بُــرُوجِ الــشَّوْقِ مَا فَتِئَتْ |
فِــي غُــرْبَة الــدَّرْبِ مِــعْرَاجًا لِــمَا بَجَمُوا |
مَــا زِلْــتُ أَدْفَــعُ عَــنْ دَهْرِي وَيَدْفَعُنِي |
حَــــتَّــى الــتَــقَــيْتُكَ وَالأَيَّـــامُ تَــلْــتَطِمُ |
يَــا مَــنْ دَعَــانِي إِلَيكَ الرِّفْقُ فَازْدَلَفَتْ |
مِــنِّــي الــمَشَاعِرُ مَــا لا يُــنْصِفُ الــكَلِمُ |
أَتَــيْــتُكَ الــيَوْمَ أَقْــوَى حَــرْفُ نَــاظِمِهِ |
فَــكَــانَ مِــنْكَ إِلَــيكَ الــحَرْفُ يَــنْتَظِمُ |
أَتَــيــتُ أَلْــتَــزِمُ الإِنْــسَــانَ فِـــي رَجُــلٍ |
وَإِنَّ مِــثْــلَــكَ فِــــي الــحَــالَــينِ يُــلْــتَزَمُ |
إِنْ قَــامَ يَــعْذِلُ حُبِّي بَعْضُ مَنْ جَهِلُوا |
فَــلَــيْتَهُمْ لِــمَــعَانِي الــحُــبِّ قَـــدْ فَــهِمُوا |
وَلَــيْــتَهُمْ بِــوَفَــاءِ الــعَــهْدِ قَـــدْ عَــمِــلُوا |
وَلَــيْــتَهُمْ بِــعَــظِيمِ الــقَــدْرِ قَـــدْ عَــلِــمُوا |
وَكَــيْفَ لا أَصْــحَبُ الــمَحْمُودَ فِــي خُلُقٍ |
مَـــنْ لا تُـــذَمُّ لَـــهُ كَــفٌّ وَلا قَــدَمُ |
هَــذِي يَــمِينِي بِــصِدْقِ الــعَهْدِ أَبْــسُطُهَا |
فَــابْسُطْ يَــمِينَكَ لا هَــانَتْ بِــكَ الذِّمَمُ |
يَـــا كَــاتِــبًا أَثْــمَــلَتْ رُوحِـــي يَــرَاعَتُهُ |
وَهَــيَّــجَــتْنِي مَــــعَــانٍ دَأْبُــهَــا الــقِــمَمُ |
بَعْضُ الحُرُوفِ عَنِ الكُتَّابِ قَدْ جَمَحَتْ |
وَحَــرْفُــكَ الــخَيْلُ فِــي أَشْــدَاقِهَا الــلُجُمُ |
أَوْرَدْتَــهَــا مِــنْ نَــقَاءِ الــنَّفْسِ مَــوْرِدَهَا |
فُــكُــلُّ حَـــرْفٍ بِــصَــافِي الــوُدِّ يَــبْتَسِمُ |
كَــــأَنَّ وَجْــهَــكَ وَالآفَـــاقُ جَــافِــيَةٌ |
بَـــدْرُ الــمَكَارِمِ قَــدْ خَــرَّتْ لَــهُ الــظُلَمُ |
فَــمَــا يَـــزَالُ مِـــنَ الإِحْــسَاسِ بَــاقِيَةٌ |
أَنْ كَـــانَ سَــمْــتُكَ بِــالإِحْسَانِ يَــتَّسِمُ |
يَــا مَــنْ يُــحَدِّثُّ عَــنْ فَــضْلِي وَيَذْكُرُنِي |
بِــمَــا تَــنُــوءُ بِـــهِ عَـــنْ حَــمْــلِهِ الأُمَــمُ |
لَــمْ يَشْفِ لِي فِي الوَرَى رِيقًا عَلَى ظَمَأٍ |
مِــثْلُ الــوَفَاءِ ، وَأَنْــتَ الــكَوْثَرُ الــشَّبِمُ |
مَــتَــى رَأَيْـــتُ وَفَـــاءَ الــمَــرْءِ صَــاحِبَهُ |
فَــقَــدْ رَأَيْـــتَ دُمُــوعَ الــعَيْنِ تَــنْسَجِمُ |
وَإِنْ تَــــنَــــكَّــرَ أَقْــــــوَامٌ لِــعَــهْــدِهُــمُ |
فَــــلا يَــسُــؤْكَ عَــلَــى فُــرْقَــاهُمُ نَـــدَمُ |
وَدَعْ أَسَـــاكَ عَــلَى آَثَــارِ مَــنْ غَــدَرُوا |
فَــالــجُــرْحُ يَــنْــزِفُ حِــيْــنًا ثُـــمَّ يَــلْــتَئِمُ |
كَــمْ كُــنْتُ أَعْــذُرُ مَنْ جَافَى وَأَحْفَظُهُ |
وَكُــنْــتُ أَجْـــزَعُ إِنْ أَوْدَى بِـــهِ أَلَــمُ |
فَــهَــمَّ بِـــي وَعُــيُونُ الــكِبِرِ شَــاخِصَةٌ |
وَذَمّ بِــــي وَلِــــسَــانُ الــحِــقْدِ يَــنْــتَقِمُ |
وَكُــلَّــمَــا زَادَ نُــصْــحِــي زَادَ مَــعْــصِيَةً |
وَكُــلَّــمَا عَـــادَ عَــفْــوِي عَــادَهُ الــسَّقَمُ |
تَــعِفُّ نَــفْسِي عَــنِ الإِسْــفَافِ تَــكْرِمَةً |
فَــــمَــا تَـــرُدُّ عَــلَــى فُــحْــشٍ وَتَــحْــتَشِمُ |
وَلَــيْــسَ أَقْــتَلُ لِــلنَّفْسِ الــحَقُودَةِ مِــنْ |
حِــلْــمِ الــكَــرِيمِ عَــلَــيْهَا حَــينَ تَــضْطَرِمُ |
خَــابَتْ ظُــنُونُ رِفَــاقٍ ضَــيَّعُوا وَسَــعَوا |
فِــي شَــرِّهِمْ وَهَــفَتْ أَحْــلامُهُمْ وَعَــمُوا |
بِــئْــسَ الأَمَــانِــيُّ مَــا مَــنَّوا بِــهِ خَــتَلا |
وَشَـــاهَ وَجْــهُ هَــوَاهُمْ بِــالذِي وَهَــمُوا |
وَمَــا دَرَوا أَنَّ فَــضْلِي سَــوفَ يُعْجِزُهُمْ |
مُــكَــذَّبِينَ بِــمَــا فِـــي زَعْــمِــهِمْ زَعَــمُــوا |
سَــيَــعْلَمُ الــدَّهْــرُ أَيَّ الأَكْــرَمِــينَ أَنَــا |
وَيَــعْــلَمُ الــدَّهْــرُ أَيَّ الأَمْــكَــرِينَ هُـــمُ |
أَنَـــا الـــذِي أَفْــهَــمَ الــجَوْزَاءَ مَــنْطِقَهُ |
وَأَلْــهَــمَ الــطَّيْرَ كَــيْفَ الــشَّدْوُ وَالــنَّغَمُ |
مَــا زِلْــتُ أُفْصِحُ عَنْ دَأْبِي وَعَنْ أَدَبِي |
بِــالــفِكْرِ وَالــشِّــعْرِ ذَا عَــيْنٌ وَذَاكَ فَــمُ |
وَإِنْ جَــنَــيْتُ قُــطُوفَ الــحَرْفِ عَــالِيَةً |
أَحْــنَــى الــبَــيَانُ جَــبِيْنًا وَانْــحَنَى الــقَلَمُ |
الــعَزْمُ وَالــحَزْمُ وَالإِقْــدَامُ مِــلْكُ يَــدِي |
وَالــعِــلْمُ وَالــحِــلْمُ وَالإِكْـــرَامُ وَالــقِــيَمُ |
وَالــشَّــمْسُ تَــعْــرِفُ أَنِّـــي نِــدُّهَا أَلَــقًا |
وَتَــعْرِفُ الأَرْضُ أَنِّــي الــنَّجْمُ وَالــعَلَمُ |
إِنْ لَـــمْ يَــبِنْ لَــهُمُ قَــدْرِي فَــلا عَــجَبٌ |
لا يَــرْفَــعُ الــقَدْرَ مَــنْ لا تَــرْفَعُ الــشِّيَمُ |
وَلَــيْسَ يُــنْصِفُ مَنْ يَعْشُو إِلَى غَرَضٍ |
وَلَــيْسَ يَــحْصُفُ مَــنْ فِــي قَــلْبِهِ صَــمَمُ |
أَسْــرَجْتُ مِــنْ صَــهَوَاتِ الــعِزِّ رَاحِلَتِي |
وَسِــرْتُ أَبْــحَثُ حَــتَّى ابْــيَضَّتِ الــلِمَمُ |
نَــادَيْــتُ قَــوْمِي فَــلَبَّى كُــلُّ ذِي أَرَبٍ |
مِـــنَ الــكِــرَامِ وَأَقْــعَى الــحَاقِدُ الــقَزَمُ |
نُــــقِــيــمُ دَوْلَــــةَ إِنْــــسَــانٍ دَعَــائِــمُــهَا |
الــجِــدُّ وَالــمَــجْدُ وَالأخْـــلاقُ وَالــكَــرَمُ |
بِــــوَاحَــةٍ لِــلــكِــرَامِ الــصِّــيدِ مَــنْــهَجُهَا |
فَــالــجُــودُ يَــــبْــذُلُ وَالــعَــلْيَاءُ تَــسْــتَهِمُ |
تَــبْــلُو الــعَــزَائِمُ أَقْـــدَارَ الــرِّجَــالِ بِــهَا |
فَــكُــلُّ قَـــدْرٍ إِلَـــى الإِنْــجَــازَ يَــحْــتَكِمُ |
وَقَـــالَ قَــوْمٌ: هُــمُ الأَشْــرَارُ فَــارْتَحِلُوا |
وَقَـــالَ قَـــوْمٌ: هُـــمُ الأَبْــرَارُ فَــالْتَزِمُوا |
وَمَــا عَــلَى الــسَّادَةِ الأَحْرَارِ إِنْ خَبُثَتْ |
بَــعْــضُ الــنُّفُوسِ وَفِــيهَا أَنْــتَنَ الــوَخَمُ |
لِــئِنْ سَــقَانِي الــوَرَى غِــسْلِينَ مَا مَكَرُوا |
فَـــإِنَّ كَــوْثَــرَ صَــفْــحِي سَــائِغٌ لَــهُمُ |
وَلَــسْتُ أَنْــكُثُ صِدْقَ العَهْدِ إِنْ نَكَثُوا |
وَلَــسْتُ أَصْــرِمُ حَــبْلَ الوُدِّ إِنْ صَرَمُوا |
وَإِنْ تَــجَــهَّمَ أَحْــبَــابِي فَــلَــسْتُ لَــهُــمْ |
إِلا كَــيُــوسُفَ لِــلإِخْــوَانِ إِذْ ظَــلَــمُوا |
وَكُــلَّــمَا آنَــسُــوا فِــي الــقَلْبِ حُــظْوَتَهُمْ |
قَــالُــوا: الــذِي بَــيْنَنَا مَــاءٌ وَقُــلْتُ: دَمُ |
إِنِّــــي لأَطْــــلُــبُ لــلــدُّنْــيَا وَتَــطْــلــبُنِي |
وَأُكُــــرِمُ الــــعُــذْرَ لِــلــبَــاغِي ويَــتَّــهِمُ |
كَــأَنَّــنِــي إِذْ حَــبَــانِــي مِـــنْ نُــبُــوءَتِهِ |
وَحْـــيُ الــبَيَانِ تَــجَنَّى الــخَصْمُ وَالــحَكَمُ |
مَــاذَا ابْــتِعَاثُ فَــرَاشَاتِ الــمُنَى رُسُــلا |
إِنْ كَـــانَ رَبَّ الــهَوَى لــلأُمَّةِ الــسَّأَمُ |
وَمَـــا احْــتِــرَاثُ أَزَاهِــيرِ الــنُّهَى وَعَــلَى |
وَجْـــهُ الــحَــقِيقَةِ وَجْـــدُ الــحَقِّ يَــرْتَسِمُ |
لا تَــحْسَبَنَّ الــطُّيُورَ الــصَّادِحَاتِ عَــلَى |
سُـــوقِ الــسَّــنابِلِ تُــغْــنِي وَهْــيَ تَــغْتَنِمُ |
يَــجْرِي الــقَضَاءُ بِمَا نَهْوَى فَإِنْ كَدُرَتْ |
عَــيْــنُ الــزَّمَــانِ أَتَـــى الــمُغْتَرُّ مَــا يَــصِمُ |
وَالــعَاقِلُ الــحُرُّ لا يَغْشَى الأَذَى حَرَضًا |
إِنَّ الــلُــيُوثَ لَــهَــا مِـــنْ أَمْــرِهَا شَــمَمُ |
مَـــنْ ظَـــنَّ أَنَّ بِــنَاءَ الــمَجْدِ فِــي دَعَــةٍ |
بِــالأُمْــنِــيَاتِ ، سَــيُــبْنَى ثُـــمَّ يَــنْــهَدِمُ |
وَمَـــنْ تَــتَــبَّعَ أَسْــبَابَ الــعُلا وَمَــضَى |
فَــسَــوْفَ تَــتْــبَعُهُ الــسَّــادَاتُ وَالــخَدَمُ |
هَـــذَا شُــعُــورِي يَــصُوغُ الــدُّرُّ أَحْــرُفَهُ |
شِــعْــرًا يَــبُزُّ الــذِي فِــي الأَعْــيُنِ الــهَرَمُ |
فَــكَــانَ أَنْــصَــعَ نِــبْــرَاسٍ لِــمَــنْ نَــثَرُوا |
وَكَـــانَ أَسْــطَــعَ مِــقْيَاسٍ لِــمَنْ نَــظَمُوا |
وَسَــوْفَ يَــذْكُرُ شِــعْرِي الــفَذَّ جَــاحِدُهُ |
وَسَــوْفَ يَــشْكُرُ فِــكْرِي الــجِنُّ وَالــنَّسَمُ |