لَسْعَةُ نَحْلَةٍ
*******
زُرتُ الحَديقَةَ عَصْرَ يَومٍ مُشمِسٍ,
وَتَطَلَّعَتْ عَينايَ لِلأَزهارِ في أَركانِها,
لَمْ أَنتَبِهْ, إذْ نَحلَةٌ لَسَعَتْ يَدِي
فَرَمَقتُها , وَرَأَيتُها
رَفَّتْ جَناحَيها , تَقولُ لِيَ اقْرَأِ المَكتُوبَ
مَا فَوقَ الجَناحِ رِسالَةٌ,
هِيَ دَعْوَةٌ يَا سَيِّدي تَأتِي مَعي لِمَليكَتي,
فَاليَومُ عُرسٌ أَنتَ فيهِ مُشارِكٌ, وَتَبَسَّمتْ.
في دَهشَةٍ أومَأتُ أنِّي قَدْ فِرِحْتُ بِدَعْوَتي,
طارَتْ أَمامِي , ثُمَّ سِرتُ وَراءَها,
حَتَّى وَصَلنَا حَاجِزًا لِخَلِيَّةٍ,
قالْتْ لِيَ ادْخُلْ هاهُنا.
*******
فَدَخَلتُ قَصرًا كُلُّهُ نَحلٌ , سَأَلتُ عَنِ المَليكَةِ : أينَها ؟
فَأجابَني صَوتٌ لِحارِسَةٍ : نَعَمْ ؟
مَاذا تُريدُ مِنَ المَليكَةِ يا تُرى؟
فَأجَبتُها :شَهدُ المَليكَةِ مَطلَبي,
فَبِهِ الَفوائِدُ لا تُعَدُّ .. فَأينَها ؟
وَأَنا دُعيتُ لِحَفلَةٍ, فَرَحِ المَليكَةِ , عُرسِهَا.
فَتَقَدَّمَتْ وَأَنا أَسيرُ وَراءَها حَتَّى وَصَلنَا صالَةً,
فِإذا بِعَرشٍ مُبهِرٍ,
وَإذا بِالذُّكورِ تَراصَفَتْ حَولَ المَليكَةِ فِي سُكونٍ مُطبِقٍ.
فَسَأَلتُ حارِسَتي : أَحُرَّاسًا أَرى؟
رَدَّتْ عَلَيَّ بِلا , هُمُ العُشَّاقُ يَنتَظِرونَ حُلمَ حَياتِهِمْ,
أَنْ يُنتَقَى المُختارُ كَي مَلِكًا يَكونُ لِلَيلَةٍ,
يَحظَى بِها فِي لَيلَةٍ مَشهُودَةِ,
فَالحُبُّ يَخْسِفُ بَدرَها, وَالعِشقُ شَهدُ خُمورِها,
عِندَ الصَّباحِ تُنَفَّذُ الأَحكامُ بِالإعدامِ أَمرُ مَليكَتي,
وَهُمُ الذُّكورُ يُنَفِّذونَ بِلَسعِهِمْ مَلِكًا تَمَيَّزَلَيْلَةً مِنْ بَينَهُمْ.
فَسَألتُها: كَيفَ السِّباقُ وَكيفَ أَقوَى الذُّكورِسَيُنتَقى؟
رَدَّتْ عَليَّ بِأنَّهُمْ يَتَغَزَّلونَ بِشِعرِهِمْ,
وَيَفوزُ مَنْ يَحظَى بِإعجابِ المَليكَةِ عاشِقًا,
فَنَظَرتُ لِلعَرشِ الَّذي جَلَسَتْ عَلَيهِ ... إِذا بِها
طَيفٌ تَراءَى في فُؤادِي , طَيفُ ماضٍ قَدْ مَضَى,
طَيفُ الحَبيبَةِ فَوقَ عَرشٍ مِنْ هَوَى.
*******
سَأَلَتْ بِصَوتٍ دافِئ :أَتُحِبُّنِي؟
فَأَجَبتُها:
مَنْ لِي أَنَا غَيرُ الحَبيبِ مَليكَتِي
بِالحُبِّ يُنبِضُ خافِقِي وَقَريحَتِي
آمَنتُ أَنَّ الشِّعْرَ ذَا لِحَبيبَتِي
بِالشَّهدِ يَجْرِي فِي الفُؤادِ وَمُهجَتِي
قُولي أُحِبُّكَ يَا ... وَلا تَتَرَدَّدِي
فَالحُبُّ شَهدٌ لِلحَبيبِ بِجَنَّتِي
أَنتِ المَليكَةُ تَأمُرينَ بِنَظرَةٍ
لَبَّيكِ, ذَا قَلبِي يَقولُ مَليكَتِي
*******
فَتَمايَلَتْ فِي عَرشِها لَكَأنَّها ثَمَلَتْ وَقالَتْ:
أَسْكَرَتْنِي كَأسُ شِعرِكَ دونَ خَمْرٍ يُستَقى
هَيَّا اقْتَرِبْ وَاجْلُسْ مَعي فَالعَرشُ عَرشُكَ سَيِّدِي
وَتَبَسَّمَتْ , فَأَجَبتُها:
بِئسَ المُلوكُ إذَا انْتَهَتْ فِي لَيلَةٍ أحْلامُهُمْ
فَالحُبُّ مِنْ نَبَضِ الحَياةِ وَشَهدِها
مَا نَفعُ مُلكٍ يَنتَهي عِندَ الصَّباحِ بِلَسعَةٍ ؟
وَالحُبُّ لَيسَ بِنَزوَةٍ أَسعى لَها,
فَمَشاعِرُ العُشّاقِ لا مَعنَى لَها,
إنْ لمْ يَكُنْ روحًا بِروحٍ تَعتَلي.
قُولي أُحِبُّكَ قُلتُها,
فَأَنا أُحِبُّكِ وَالفُؤادُ مُقَدَّمٌ وَمُؤخَّرٌ لِحَبيبَتي.
وَوَضَعْتُ كَفِّي فَوقَ قَلبِي وَانْحَنَيتُ مُبَجِّلًا لِمَليكَتي.
رَفَّتْ جَناحَيها وَقالَتْ:
أَيُّهَا المُختارُ مِنْ بَينِ الذُّكورِ فَصاحَةً,
لَكَ مَا تَشاءُ وَأمرُنَا:
إنَّا تَنازَلنَا عَنِ العَرشِ العَظيمِ لِفارِسٍ,
إنِّي أُحِبُّكَ وَالفُؤادُ مُتَيَّمٌ بِحَبيبِنا,
إنِّي أُحبُّكُ والفُؤادُ مُؤخَّرٌ وَمُقَدَّمٌ لِمَليكِنا.
*******
عَنْ عَرشِها نَهَضَتْ وَقالَتْ :
أَيُّهَا المُختارُ هَذا العَرشُ عَرشُكَ فَاقتَرِبْ,
لا تَخشَ لَسعًا... قَدْ مَلَكتَ حَبيبَةً,
وَمَلَكتَ مِنْ دُنيَا الغَرامِ عُروشَها.
يَا أيُّها المَلِكُ السَّعيدُ ملَكْتَنِي
وَحَبيبَةً في القَلْبِ قَدْ مَلَّكتَنِي.
حَلَّقتُ روحًا وَاثِقَ الخُطُواتِ نَحوَ حَبيبَتِي,
مَدَّتْ جَناحَيهَا لِتَحضُنَ عاشِقًا مُتَلهِّفًا, مَلِكًا تُتَوِّجُ تاجَهَا
فَجَلَستُ فَوقَ العَرشِ أَرشِفُ شَهدَهَا,
وَأشُمُّ عِطرَ زُهورِها ... فَغَفَوتُ لَحظَةَ نَشوَةٍ,
وَصَحَوتُ لَمَّا ... نَحلَةٌ لَسَعَتْ يَدِي.
*******
اليَومَ لَسْعَةُ نَحْلَةٍ رَشَفَتْ دَمِي
وَغَدًا بِأَحْضَانِ الحَبيبَةِ أَرتَمِي
إِنْ نِمْتُ لَحْظَةَ نَشْوَةٍ مِنْ لَسْعَةٍ
فَالحُلمُ آتٍ فِي المَنامِ بِمُغرَمي
يَشتَدُّ شَوقِي فِي الفُؤادِ قَصيدَةً
مَنْ لِي أَنا غَيرُ الحُبيبَةِ مُلهِمِي ؟
إنِّي أَنَا المَلِكُ السَّعيدُ بِحُبِّهَا
وَهِيَ الحَبيبَةُ شَهْدُهَا يَسْقِي فَمِي
*******