|
للعبقريَّةِ سِرُّها الرَّبَّاني |
يَفنى الزمانُ و أنتَ لستَ بفانِ |
كُنتَ الأميرَ و لم تَزَل لكَ دولةٌ |
لم تُعطِ غيرَكَ إمرَةَ الإيوانِ |
فَبِأَيِّ كَفٍّ قد سَكَبتَ قلائِداً |
تُسْمى قريضاً ، أم بأيِّ بَنانِ ؟ |
" و بأيِّ نَولٍ أنتَ ناسِجُ بُردَةٍ " |
شِعريَّةٍ قُدسيَّةِ الألوانِ ؟ |
حَوَتِ الجَمالَ اليَعرُبِيَّ جَميعَهُ |
نفحَ الورودِ و لَفتَةَ الغِزلانِ |
و وَعَت فنونَ الغربِ فهْيَ حديقَةٌ |
كونيَّةُ الأثمارِ و الأفنانِ |
" سقراطُ " فيها ماثِلٌ بِجلالِهِ |
يُلقي علينا حِكمَةَ اليونانِ |
و"أبو العلاءِ"يقُضُّ مَضجَعَ فِكرِهِ |
وحشُ الشُّكوكِ و صَوْلَةُ الإذعانِ |
و " البُحتُرِيُّ " يصونُ نفساً عن جَدا |
جِبسٍ و يَربأُ عن خَناً و هوانِ |
عَجَباً لِكَرمَتِكَ التي في ظِلِّها |
يختالُ "هوميروسُ" و "الحَمداني" |
للهِ دَرُّ يراعَةٍ أَنَّى جَرَت |
فَصَرِيرُها و السِّحرُ يعتنقانِ |
غَاصَت بِأعماقِ البحورِ فَأَخرَجَت |
دُرّاً و ياقوتاً و عذبَ جُمانِ |
و استَفتَتِ التاريخَ عن أسرارِهِ |
فَعَنا العَصِيُّ و أسرَعَ المُتَوانِي |
اليانِعُ الشِّعريُّ بعضُ ثِمارِها |
إمَّا تَفَيَّأْنا شذا البُستانِ |
ناهيكَ عن نثرٍ ، فرائِدُ عِقدِهِ |
لم تَستَطِعها قبلَ ذاكَ يدانِ |
"ذَهَبٌ بِأسواقٍ" تَسَابَقَ نَحوَهُ |
" ابنُ العميدِ" يُزاحِمُ " الهَمَذانِي" |
يا ليتَ من جَهَلوا عليكَ تَرَيَّثوا |
و نَأَوْا عنِ التَّجريحِ و الأضغانِ |
أَيقَظْتَ عقلَ الشِّعرِ من غَفَلاتِهِ |
و نَفَثتَ فيهِ فَورَةَ البُركانِ |
و بَرِئْتَ من عَبَثٍ تَسَيَّدَ أعصُراً |
و سَمَوْتَ عن هَذَرٍ و عن هَذَيانِ |
و رَفَعتَ للأخلاقِ أسمى دولةٍ |
حتَّى انحنى لِجلالِها القَمَرانِ |
يكفيكَ مَجدٌ لم يَنَلْهُ شاعِرٌ |
أبَداً سِواكَ و أنتَ أنتَ البانِي |
أهرامُ شِعرِكَ لم تَزَل أُعجُوبَةً |
ما أَبصَرَت صِنواً لها عينانِ |
ما زِلتَ مثلَ الأمسِ معجِزَةً و ما |
زالَت لُحُونُكَ أعذَبَ الألحانِ |
قالوا " الجديدُ" و ما لِماضٍ قد مَضى |
غيرُ التَّواري أحرُفاً و معاني |
يا رفقَةَ الدَّربِ النَّقيضِ و كلِّ أر |
ضٍ لم تَطَأْها قبل ذا قَدَمانِ |
مُتَمَنطِقِينَ جُمُوحَكُم في ساحَةِ الـ |
مجهولِ بَحثاً عن رُؤىً و أماني |
لِلنَّهرِ أَكبَرَ كُلُّ فَضلٍ ما زَكَا |
عُودٌ نَمَتهُ راحَةُ الغُدرانِ |
و الشَّمسُ..وهْيَ الشَّمسُ عُمراً..لم تَزَلْ |
عَذراءَ تَرفُلُ في سَنا الريعانِ |
إنَّ القديمَ أبو الجديدِ و أُمُّهُ |
هل مِن وليدٍ ما لَهُ أَبَوانِ ؟ |
شَرْعُ الحياةِ تَزَاوُجٌ و تناسُلٌ |
الشِّعرُ و الأفكارُ و الثَّقَلانِ |
يا كُلَّ عُصفورٍ يُعانِقُهُ المَدى |
أطِلِ الغِناءَ مَثالِثاً و مثاني |
في الكَونِ مُتَّسَعٌ لِكُلِّ مُغَرِّدٍ |
و لِكُلِّ روحٍ أُرغُنٌ و أغاني |
لن تُنسِيَ "الجازُ" الحياةَ حُداءَها |
و "الأورجُ" لن يُغني عنِ الكَرَوانِ |
باللهِ حَدِّث يا أميرُ و قُل لَنَا |
كيفَ امتَلَكتَ أَزِمَّةَ الإتقانِ ؟ |
بل كيفَ طَوَّعتَ المُحالَ مُجَاوِزاً |
حَدَّ العقولِ و حاجِزَ الإمكانِ ؟ |
و إذا كَتَمتَ السِّرَّ فاعذر مِثلَنا |
إمَّا تَخَلَّفنا عن الرُّكبانِ |
آهٍ تَخَلَّفنا كثيراً بعدَما |
ضَلَّ العَدَالَةَ حامِلُ المِيزانِ |
و غَدا الأديبُ الحَقُّ لُعبَةَ دَهرِهِ |
يُلقي بِهِ الطُّوفانُ للطوفانِ |
هل كانَ عَصرُكَ مِثلَ أيّامٍ لَنا |
أم أنَّ عصرَكَ كان ذا وجدانِ ؟ |
هل كانَ قولُ الشِّعرِ فيهِ جريمَةً |
كُبرَى ، و معصيَةً بِلا غُفرانِ ؟ |
لا تَعجَبَنَّ إذا القرائِحُ أَجدَبَت |
و خَلَت صياصينا من الفُرسانِ |
هل أَبصَرَتْ عيناكَ وَرْداً قد نَمَا |
وسْطَ السَّعِيرِ و مارجِ النِّيرانِ ؟ |
هذا كتابُ الدَّمعِ نَرفَعُهُ على |
سيفِ الجِراحِ و حَربَةِ الأشجانِ |
ليس الأديبُ عَدوَّ أُمَّتِهِ و لا |
هُوَ مارِدٌ قد لَجَّ في العِصيانِ |
كلاّ و ليسَ بِعَورَةٍ أو سَوْأَةٍ |
حَتَّى تُواريَهُ يَدُ الغِربانِ |
كالنَّاسِ كُلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي |
فِينا يُثيرُ حفيظَةَ الخِصيانِ ؟ |
كالناسِ كلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي |
يخشاهُ مِنّا حَضرَةُ السَّجَّانِ ؟ |
تَدري الحقيقةُ أننا عُشَّاقُها |
مهما نُصادِفُ من أذىً و نُعاني |
تدري العروبَةُ أننا حُرَّاسُها |
و لَكَم تَصَدَّى الشِّعرُ للطغيانِ |
عَرَبَ الجِراحِ و جِيرَةَ الوَطَنِ الذي |
أخنى عليهِ كَلكَلُ النِّسيانِ |
لم يبقَ لي مِنِّي سِوى قلبٍ غَدا |
خَفَقَانُهُ شيئاً سِوى الخَفَقَانِ |
بعضي على بعضي غدا مُتَوَكِّئاً |
حتى لَيُخطِئني الذي يلقاني |
يا ثالثَ الحَرَمينِ إنَّكَ شاهِدي |
إن قلتُ : إن النَّومَ قد جافاني |
ها أنتَ مُستَعِرُ الدموع ، و شرقنا |
لاهٍ يلوكُ الغيَّ في إدمانِ |
و لرُبَّما قد ثارَ مِنَّا ثائِرٌ |
في نشرَةٍ مشفوعَةٍ بِبَيانِ |
مَنْ لي بأوعيَةِ الجَحِيمِ جميعِها |
لأصُبَّها حُمَماً على الكُهَّانِ ؟ |
القابعينَ على أرائِكِ عجزِهِم |
مَسْخاً يفوقُ تَفاهَةَ الأوثانِ |
المُنتَشِينَ بخَمرَةِ البَلَهِ الذي |
قد زَفَّ أندَلُساً إلى الشَّيطانِ |
لا تَحسَبوا يا سادَتي وَطَني سِوى |
قاصي العروبَةِ كُلِّها و الدَّاني |
إنِّي أنا الجَمعُ الذي في مُفرَدٍ |
و المُفرَدُ المَسكُوبُ في أبدانِ |
و اسمي الملايينُ الأُلى إن فارَقوا |
جَفني فَقَد هَرَعوا إلى وجداني |
و اسمي الملايينُ الأُلى إن غادَروا |
بعضي فقد سَكَنوا جميعَ كياني |
و اسمي الملايينُ الأُلى إن خُنتُهُم |
قد خُنتُ نَفسي مُغضِباً قُرآني |
و قضيَّتي : العَرَبِيُّ ، تلكَ قضيَّتي |
حتى تواريَني يَدُ الدَّفَّانِ |
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ |
و فَجيعَتي بَحرٌ بِلا شُطآنِ |
و القلبُ مُنشَطِرٌ كقومي ، ضائِعٌ |
كضياعِهِم في السِّرِّ و الإعلانِ |
و الهَمُّ .. رَوَّاحاً و غَدَّاءاً .. على |
رأسي يَدقُّ مُؤَجِّجاً نيراني |
و طوارِقُ التسآلِ تَدهَمُ خاطِري |
أُمَماً مِن الآلامِ و الأحزانِ |
ما الفَنُّ ، ما القيثارُ ، ما الأشعارُ إن |
لم تُعلِ فينا عِزَّةَ الأوطانِ ؟ |
ما العِرضُ، ما الحُرُماتُ إن لم نَنغَرِسْ |
رُمحاً و سِكِّيناً بِصَدرِ الجاني ؟ |
ما النِّفطُ، ما الأموالُ،ما الدُّنيا ،و ما |
كُلُّ "البنوكِ" و شاهق البُنيانِ ؟ |
ما كلُّ ذا أو ذاكَ إِنْ لم يرتَفِعْ |
عَرَبُ الضَّياعِ لمستَوى الإنسانِ؟ |
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ |
و الهَمُّ مِطرَقَةٌ تَهُدُّ كِياني |
كيف ارتَضيْنا أن نعيشَ القَهقَرى |
و نسيرَ ضِدَّ طبيعةِ الدَّوَرانِ ؟ |
و لِمَ احتَرَفنا الغَيَّ حتى أصبَحَت |
أيَّامنا فُلْكاً بِلا رُبّانِ |
و إلامَ نغمِسُ في الرِّمالِ رؤوسَنا |
مُستَسلِمينَ لِقَبضَةِ القُرصانِ؟ |
و متى سنَذكرُ حِكمَةً شَوقيَّةً |
تُحيي الرَّمِيمَ بجَرسِها الرَّنَّانِ : |
" دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائِلَةٌ لَهُ |
إنَّ الحياةَ دقائِقٌ و ثواني" |
" فارفع لنَفسِكَ قبلَ مَوْتِكَ ذِكرَها |
فالذِّكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثانِ " |