بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علّمنا ما لم نعلم وله الشكر على ما هدانا إليه من سبل
الرشاد ..وبعد؛
أحاول في هذا الكتاب الاختصار الشديد في طرح الفكرة وقاية من
ملل قد يصيب القارئ الكريم واهتداء بقول الشاعر:
خير الكلام قليلُ-- -على كثير دليلُ
والعي معنى قصير -- - يحويه لفظٌ طويلُ
إلا أن ذلك لا يعني تخطي بعض النصوص من أقوال الأساتيذ الذين
يستشهد بكلامهم بين سطور هذا الكتاب لأن ذلك لا يحسب من
الأمانة الأدبية في شيء
وإني أزعم أن علم العروض الخليلي شبيه بالمحيط العظيم الذي تصب فيه
البحور من كل جهاته؛فهو زاخر بأمواجه العالية إن نظرت إلى سطحه وتستكشف في أعماقه
عن كلما هو ثمين ونفيس إن تسبر أغواره البعيدة ؛ذلك العلم الذي ما
انفك يحير عقول الأدباء والعلماء بقوة مضمونه ودقة تنظيمه على يد نابغة
كل العصور الخليل بن أحمدالفراهيدي
الفصل الأول
الموسيقا والشعر:
يحاولُ علماء العروض وغيرهم أن يجعلوا من الشعر موسيقاقائمة بذاتها
بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد ومعان
يقول الأستاذعز الدين إسماعيل: "جزء كبير من قيمة الشعر الجمالية
يعزى إلى صورته الموسيقية، بل ربما كان أكبر قدر من هذه القيمة
مرجعه إلى هذه الصورة الموسيقية"
كذلك قول الأستاذ فوزي خضر"ويتألفَّ البناء الموسيقي من إطار
خارجي يتمثل في الوزن والقافية،وموسيقا داخليةتتمثل في الإيقاع
الداخلي الذي يبرزه التماثل والتوازي بين أجزاء المقطع
الشعري،والتَّكرار، وتآلُف الحروف وتجاورها، والجناس"
ويقول الأستاذ محمد أبو المجد؛
الموسيقا عنصر من العناصر الهامة في صياغة الشعر، ووسيلة من
وسائله الرئيسة في إثارة الشعور وتحريك الوِجدان، وبث الإحساس
لدى المتلقي بالجمال، فالقصيدة - بتعبير أرشيبالد -صرخة منغومة
ويقول الأستاذ عبد الرحمن الوجي
"أما القافية فهي تُعد من العناصر المكملة للإيقاع الخارجي - الموسيقا
الخارجية للشعر العربي -وهي في غالب الظن متطورة عن نهايات
الأسجاع في النثر.. والقافية جزء إيقاعي خارجي متمم للوزن، ومسهِم
في ضبط نهايات الأبيات، فحد الشعر هو الموزون المقفَّى، والقافية تَضبِط
نهايات الأبيات محددة.. فهي تُضيف إلى الرصيد الوزني طاقة جديدة،
وتُعطيه نبرا وقوة جرسٍ يصب فيها الشاعر دفْقَه
ويقول الأستاذ إبراهيم أنيس:لا يتم الحديث عن موسيقاالألفاظ إلا
بإشارة سريعة لما جاء في كتب البديع عنها، فقد قسموا البديع إلى نوعين
معنوي: وهو ما تتعلق المهارة فيه بناحية المعنى ولفظي: وهذا النوع من
البديع وثيق الصلة بموسيقا الألفاظ، فهو في الحقيقة ليس إلا تفننا في طُرق
ترديد الأصوات في الكلام؛ حتى يكون له نغم وموسيقا.... فهو
مهارة في نظْم الكلمات وبراعة في ترتيبها وتنسيقها، ومهما اختلفت
أصنافه وتعددت طُرقه، يجمعها جميعا أمر واحد، وهو العناية بحسن
الجَرس، ووقْع الألفاظ في الأسماع، ويجيء هذا النوع في الشعر يزيد من
موسيقاه؛ وذلك لأن الأصوات التي تتكرر في حشو البيت - مضافةً إلى ما
يتكرر في القافية - تجعل البيت أشبه بفاصلة موسيقية متعددة النغم،
.مختلفة الألوان
كذا قول الأستاذمحمود فاخوري "والذي يجب أن يراعى في القصيدة
التقليدية هو المساواة بين أبياتها في الإيقاع والوزن عامة، والجمع بينهما
معا في آنٍ واحد؛ بحيث تتساوى الأبيات في حظها في عدد الحركات
والسكنات المتوالية، وفي نظام هذه الحركات والسكنات في تواليها،
وتتضمن هذه المساواة وحدة عامة للنغم، وتشابها بين الأبيات وأجزائها،
ينتج عنه تناسب تام وتَكرار للنغم، تَأْلفُه الأُذن، وتَلَذُّ به، ويسري ذلك
إلى النفْس، فتُسر به أيضًا، أما إذا فقَدت الموسيقاالتناسب والتساوي بين
نغماتها، فعندئذ تُصبح مدعاة للنفور؛ لأن الشعر في حقيقته ضرب من
الموسيقا
ويقول الأستاذ مصطفى ناصيف :إن النقاد نظروا إلى موسيقاالشعرعلى
أنها ضرب من التنظيم الساري الخالي من الدلالة، على الرغم من هذا
النشاط العصبي أو الوِجداني الذي يصحبه، ومن هنا ظلُّوا يعدونها زينة،
أو عنصرا خارجيا عن المعنى، وكأن المتعة التي يجدها سامع الشعر، أو
العبارات ذات الوزن أو الإيقاع - لا رصيد لها من المعنى.
كان أكثر من وصفوا من العلماء الشعر بالموسيقا ' هم من المتأخرين -في
نهاية النصف الأول من القرن العشرين - حيث بدأت رسائل الدكتوراه
عند الأساتذة العرب وتقييمها في العالم الغربي وصدور أنظمة جوائز
أدبية في الغرب؛فلا شك ان أولئك الأساتيذتأثروابالأدب الغربي تأثرا
مباشرا أو غير مباشر ؛فحاولوا إدخال ما لم يكن في الشعر والعروض
العربي ووصفه كما لو وصفوا أشعار الغرب مع الفارق الشاسع بينهما .
إن كل ما ذكر هنا من تصاريح لأساتيذ العروض هو رشف من بحر؛ولو
استعرضنا كل أقوال الأدباء والفلاسفة حول موسقة الشعر لملأنا مجلدات
كبيرة منهاولكن نستطيع أن نلخص أقوالهم بفقرتين :
١ -تأكيد وجود موسيقاشعر خارجية ظاهرة في الوزن والقافيةفي
الشعر العربي
٢ -وجود موسيقا شعر داخلية شبه ظاهرة في تفاعل الألفاظ مع بعضها
تعالوا معي لنتأكد من كل ذلك
فلنبدأ بتحليل كلمة "الموسيقا"؛
الصوت الموسيقي يعرف بأنه (صوت صادر برتابة متناسبة في زمن متساو)
أو ؛الموسيقاهي (
أصوات مختلفةالنغم في وحدة زمن متساو
)
إذن ينحصر تكوين الموسيقا بعنصرين هما
١ -الصوت المختلف النغم؛في ٢ - الزمن المتساوي)
فما هو
١ -
الصوت المختلف النغم
؟لنبدأ:
في الموسيقى سبعة أصوات أساسية مختلفة في حدة طبقتها وهي
بدءا من الصوت الأقل حدة:
(do-re-mi-fa-sol-la-si)(
do-re-mi-fa-sol-la-si
))
تلي (السبعة أصوات القرارات) سبعة أخرى جوابات للقرارات
وما بين الصوت الأول ؛ فالصوت الثامن؛ سبع مسافات صوتية خمس منهاكبيرة وهي
الواقعة بين:
Do-re,re-mi,fa-sol,sol-la,la-si
ومسافتان صغيرتان بين :
(mi-fa),(si-do)
إن المسافات المتوافقة هي التي ترتاح لسماع صوتها الأذن سواء
أضربا معا في وقت واحد أم ضرب أحدهما بعد الآخر
وهذه المسافات هي :الأولى والثالثة والرابعة والخامسة
والسادسة
أما المتنافرة فهي التي لا ترتاح لسماع صوتها الأذن وهي: الثانية
والسابعة
إن السلم الموسيقي في أعلاه هي الأصوات الطبيعية الصادرة من
إنسان أو آلة ليسمعها إنسان آخر ولكن هل كل فرد منا يميز
طبقات هذه الأصوات ويعرف –مثلا -المسافات المتنافرة
المذكورة ؟الجواب بالنفي؛ذلك أن الموسيقارأو الملحن هو
الذي يميز طبقات الأصوات والمسافات المتنافرة ؛أما الشعراء عند
إلقائهم الشعر حتما مروا بهذه المسافات المتنافرة ولم يمج إلقاءهم
المتلقي لسبب بسيط هو؛إن الشعر المسموع لم يكن هوموسيقا
قائمة؛بل مثله كالنثر لا يطبق عليه النظام الموسيقي
---يتبع(٢ - الزمن المتساوي)