ما بال هذا الطيف لاح أمامِي=وألحّ حتى عاد في أحلامِي؟!
أتراهُ لمْعُ البرقِ بشَّرَ بالْحَيا=حيَّ الظما من بعدِ طول سقامِ؟!
أمْ أنَّهُ الفجرُ الذي كم غرَّدَتْ =فيه الطيورُ بأعذب الأنغامِ!؟
أمْ نورُ قنديلٍ بـ"قرطبةٍ" سرَى=منه الشعاعُ بلمحهِ البسَّامِ؟!
يا فرْطَ وجدي للجزيرة كلَّما=لاحتْ لخاطرتي وطول هيامي!!
أهفو لـ"أندلسٍ" وأيَّام السَّنَا=وإلى زمان الوصل والأنسامِ
وإلى الثغورِالظَّافرات وحولها =دارتْ جنود النصر بالأعلامِ
وإلى سيوف الفتح حول غمادها=رسمت غصون السلم "طوق حمامِ"
وإلى الطلول شهدْنَ عن أصل البنا=وسماكِهِ في دقَّةٍ ونظامِ
وإلى المساجد والقلاع وللنقو=ش و دقة البنَّاء و الرسَّام
تحفٌ من الإبداع فيما شيدوا=من جوهرٍ أو مرمرٍ و رخام
وإلى العلوم تعطَّرتْ حلقاتها=من كلِّ نابغةٍ وكلِّ إمام
وإلى بلاط الشعر يقطر حكمةً=في مجلس الادباء والحكام
يا ساحةَ "الزهراءِ" يا دارَ العلا=و"الناصر" الميمون كالضرغام
و"ممالك الإِفرِنْجِ" ترقب عفوَهُ= من بعد ما جاءوا بكلِّ لهَامِ
فرأيت يا "زهراءُ" رفعةَ أمَّةٍ=أمجادها دقَّتْ عن الأفهام
سادتْ إذِ الرَّاياتُ كانت رايةً=قد رفرفتْ من فوق كلِّ همام
فشهدتِ ما غنموهُ بالصمصامِ=وشهدتِ ما رسموه بالأقلام
هي سنة الحكم الذي فيه استوى=نجل الملوك وحامل الأختامِ١*
بلِّغْ ديارَ المجد يا نسْم الصَّبا=حين الغداة إذا مررْتَ سلامي
واحمل لـ"قرطبة" العبيرَ وعَبْرَة=تاقتْ إلى "الزهراء"يوم غرام
واسأل حمامَ الدَّوح فوق غصونها=هل ملَّ منْ شدوٍ ومنْ تَرْنَامِ؟!
واسألْ ثرَاها السُّنْدُسِيَّ ترَقْرَقَتْ =فيه الجداولُ هل بدا كرغام؟!
أم أنه في حُلَّةٍ موشيةٍ=من كلِّ غرسٍ في المرابع نامي
و"النيل" ذا أم أنه "نيلوڤـرٌ"!!=والماء فيضٌ في المرابع طامي
يا جادكِ الغيث الزلال إذا همى= وسقى ربوع الحب فيض غمام!
أرنُو إلى تلك السهول وللربا=وإلى الجبال الشمِّ و الآكامِ
وأنا المكبَّلُ خلفَ أسوار الأسَى=والبحر خلفي والعدوُّ أمامِي
يا ويحَ قلبي تلك "أندلسٌ" غدتْ=طلَـلًا وكانتْ قلعةَ الإسلامِ
ذهبتْ وغابتْ خلفَ عتمةِ خُلْفنا=والبدرُ ليس يلوح خلف غيامِ
هامش
*١*حامل الأختام قصدت به المنصور محمد ابن أبي عامر حيث كان كاتبا في بداياته