بداية ونهاية:
البدايات كأنها أزمنة منسابة لا تترك على متنها متسعا من وقت ثالث لنتسلل عبره، وحدها النهايات تعلن بدايات جديدة هنا وهناك ، والكلمات المنبعثة من جوف الحياة باتت معدودة، وبعض الكلام أزلي لا محدود في الزمن، وبعضه الآخر غوغاء تغمر العالم من حولنا، حيث لا فائدة م نه ولا أثر يذكر غير بعض مداد ضائع ، لا يكتب جديدا ، ولا يذكر حياة.
في الماضي دلالة على كيفية قطع الألف ميل مشيا على الاقدام،وباقي المشاكل العالقة لا جدوى من محاولة حلها ، ولن يحاول ذلك أحد أو يجازف
إلا عبر كلمات يدوي صداها عاليا ،و قد يقول سياقها:
نريد خبزا
نريد بعضا من كعك الصباح وشكلاطة الموائد الماضية.
ربما لا شيء يذكر في هذه الآونة، وفي تلك سمعنا عن أبجديات باتت تتتبع أصواتنا وأثر أمانينا بلا توقف وبلا ملل، وهذه المرة لابد من تتبع أثر الحقيقة بدل تركها تضيع في دواليب الصمت، التي عانقها العابثون بصدر رحب عناق الجائعين-الذين ما فتئوا يجهزون على ما تبقى من شبه أحلام منزوعة التفاصيل ، إنهم أولئك الذين كتبوا الكلمات في جوف الليل، ثم تلوها في بيوت الفقر والأحزان، لتنمو سريعا كما تنمو البكتيريا مزهوة في بقايا السكر والمربى الفاسد.
طلب منه سامي مرة أن يساعده في حل بعض مشاكل عالقة، فرد عليه قائلا: ليس قبل أن تحضر من أجلي إلى بيت زجاجي معتم به مصباح لا يضيء، وقيل في سابق عهدنا به :
إنه يضيء!
اعتذر سامي، إذ لا يمكن أن يلبي رغبة صاحبنا، خصوصا بعد لقاءات كثيرة مطولة، تأكد له فيها بوضوح أن مثل هؤلاء لا يمكنهم فعل شيء، لأنهم ترعرعوا على بيع الوهم .
لعله لا يتذكر هذا ذاك الذي يجلس على كرسي مريح تحت شجرة وارفة الظلال، ولكن صديقي لازال يذكر جيدا تلك الالتواءات التي عنونت لغته وحديثه، الذي تحتله المراوغة من كل الجوانب ، ولم تترك فيه للصدق فرصة للظهور والتجلي .
والكلمة الحاسمة كانت في أن يتوقف عن الحديث معه ومع أمثاله من الصراصير الكونية، التي تسبح في قنوات الصرف الصحي، بلا توقف وبلا ملل.
لحسن حظه ترك عالمهم قبل أن يعتذروا من أوسع طريق بألف وسيط ، ليكتبوا ما تبقي من حديث مفقود بأقلام الأمل، التي بها يحيون مرات ومرات في الأمام لا في الخلف، بذاكرة قديمة ضاع منها بريقها في عالم جديد حي لا يحتويهم كما يجب، فلنسلم ذواتنا وكياننا للضياع حيث هم إلى جانبنا، ولنصمت في عالم يحب أن يتبدد في هدوء ، ذلك ما قاله قبل أن تلتهمه أمواج البحر وهو يمسك بقصبته فوق صخرة كبيرة .