كنت اقول ولازلت ... ان على الاديب أن يسير امام الجمهور لاخلفه
ومادعاني لذلك أني وبكل أسف ومرارة أقرأ الادب العربي الآن في صيغته المخيالية المقيتة كأنه يقر بعقم فضاءنا الفكري اليوم ونحن نخوض أشد مواجهاتنا الحضارية قسوة ً ...
وعندما أقرأ للأديب الكبير ... العمري
تغادرني بعض حالاتي التشاؤمية ...
انه الرجل الذي عاهدنا ان يجعل الفكر القائد للشعر ...
هنا في هذه القصيدة يجود علينا شاعرنا بطرح رؤية لاأقول جديدة بل رؤية تحفزنا على الاستبصار وتجعلنا نبحث عن دواعي حضور هذه المشاعر النبيلة ...
فالشاعر لايخص الشام _ الارض _ بقصيدته انه يخاطب دار النصر والحشر واهلها
أَنَا المُتَيَّـمُ يَـا شَـامَ العُـلا فَدَعِـي
مِنْ طِيبِ رُوحِكِ فِي رُوحِي الذِي عَلِقَا
وهنا يمتزج الشاعر ويذوب في روح السمو التي نفثتها ارض الشام للبشرية أوليست هي دار الديانات _ روح الانسانية _ والناس اليوم في تصحر الروح فهي دواء العطش
ثم ينتقل بنا الشاعر
يَا شَامُ فِيكِ صَبَابَاتِـي فَـلا اخْتَلَفَـتْ
وَفِيـكِ بَـابُ مَسَرَّاتِـي فَـلا انْغَلَقَـا
لكأنه يقول عن فلسطين وهي تربته ... انها ارض الشام التي لن تنغلق في وجهه ... وهو من شامويوا او فلسطينيوا الشتات .. بدليل انه يعزز قوله في بيت ٍ تالِ ٍ فيقول
أَلَيسَ أَصْدَقُ أَهْـلِ العِشْـقِ أَخْفَرَهُـمْ
عِنْـدَ اللِقَـاءِ وَأَضْنَاهُـمْ إِذَا افْتَرَقَـا
ويقول
إِلامَ لَهْـفَـةُ أَشْـوَاقِـي تُنَازِعُـنِـي
إِلَى ثُـرَاكِ تَبَارِيـحَ الضَّنَـى طُرُقَـا
وَهَلْ سَتَرْسُمُ فِي الأَحْدَاقِ يَـا بَـرَدَى
مَتَى التَّقَينَـا مَسَـارَاتٍ لِمَـنْ عَشِقَـا
وَغُوطَةً هَفْهَفَ الحُسْـنُ البَدِيـعُ بِهَـا
وَزَادَهَا النَشْرُ مِنْ رِيحِ الصّبَـا أَنَقَـا
ويقول
وَمِنْ حَمَاة إِلَى حِمْـصٍ إِلَـى حَلَـبٍ
رَأَيتُ دَارِي وَفِي حورَان أَهْـلَ نَقَـا
لقد صرح هنا انه رأى داره ... !!!
ثم ينتقل الشاعر الى اخطر ابياته الفكرية ....
فيقول
بَنُـو أُمَيَّـةَ لَـمْ تَفْتَـأْ حَضَارَتُـهُـمْ
تَزِيـدُ تَدْمُـرَ مَجْـدًا فَـاقَ وانْعتَقَـا
فهوتنبه الى خطأ جسيم وقع كثيرون هنا ، كون الامويون لم يصنعوا حضارتهم لان الشام موطنهم .
ان الانسان هو الوطن الحقيقي لا التراب ، الانسان المشبع بالقيم المجدية النافعة ، قيم التسامح وقبول الآخر ... قيم الاسلام
فلا فخر لبنو امية ولا فخر للشام في حضارتنا
فحضارتنا صنعتها قيم قرآنية في منهاجنا المهيمن
فحيث العدل فثمة شرع الله
والعدل ماهو بقيم مطلقة معلقة في الهواء ... انه العدل .. روح الاسلام في مضمون التوحيد
وحين يبغتنا من يقول ان بنو امية فيهم من جعل الناس أسرى رؤيتهم فساقوهم كما زعموا بقضاء الله وقدره وخدعوهم ان شرعة السلطان هي شرعة القرآن .
نرى الشاعر يصحح لهم و يدهشنا حين يقول
فِي عَهْدِهِمْ نَطَقَـتْ بِالفَخْـرِ شَاهِـدَةً
يَدُ الفُتُوحَاتِ أَنَّ الوَعْـدَ قَـدْ صَدَقَـا
ويقول
مَـا المَجْـدُ إِلا دَمُ الأَحْـرَارِ تَبْذُلُـهُ
بِتَضْحِيَـاتٍ وَلَيـسَ الفَخْـرَ وَالأَنَقَـا
وَلَو غَدَا مَجْدُنَـا حِبْـرًا عَلَـى وَرَقٍ
وَلَيسَ إِلا حَرَقْـتُ الحِبْـرَ وَالوَرَقَـا
ويأخذنا الشاعر لنتجاوز الامويون في ارض الشام ليحدثنا عن الشام في زمن غير زمان آل امية
انه زمن الشعر والفكر حيث عقلاء الملة لازالوا لحد ساعة الله هذه يتغنون بجلالك ياشام وجمالك ..
ليضع اسمه في قائمة المادحين الذي اعلنوا الولاء في العشق لهذه الارض الطاهرة
أَبُو فِرَاس سَقَاكِ الشِّعْرَ كَـأْسَ عُـلا
وَالبُحْتُـرِيُّ تَغَنَـى فِيـكِ وَانْطَلَـقَـا
وَكَـمْ أَجَـازَ أَبُـو تَـمَّـام قَافِـيَـةً
وَأَبْـدَعَ المُتَنَبِّـي فِـيـكِ وَاسْتَبَـقَـا
وَمَا قَصِيدِي وَقَدْ قَالُـوا سِـوَى أَثَـرٍ
كَالشَّمْسِ غَابَتْ وَأَبْقَتْ بَعْدَهَـا الشَّفَقَـا
هُوَ ابْتِهَـالُ فُـؤَادٍ فِيـكِ ذَابَ هَـوَى
وَبَابَ فَجْرِكِ يَـا لَيـلاهُ قَـدْ طَرَقَـا
فَسَابِقِي الدَّهْـرَ لِلعَلْيَـاءِ فِـي شَمَـمٍ
وَعَانِقِي النَّصْرَ فِي عِزٍّ وَطُـولِ بَقَـا
\
وهكذا يضع سمير العمري بصمته ... وهو واثق كل الثقة من سمو مشاعره في معشوقته ... الشام