ولجت حليمة إلى غرفة نومها واسترخت على الفراش , أغمضت عينيها المغرورقين بالدموع , استرسلت مخيلتها شرائط من حياتها اليومية المعتادة و علاقتها بزوجها رجب , تذكرت بداية حياتهما الزوجية و السعادة التي كانت تنعم بها بصحبته .. لم تكن تتصور أن يخونها الزمن و تنعطف بها الأيام إلى منعرج المآسي ..هكذا هي دائما غارقة تفكر في أسباب انحراف زوجها و إدمانه للخمرة و المخدرات . كان في سالف الأيام يعود من عمله محملا بما تحتاجه عائلتها الصغيرة من مؤونة تلوح على وجهه ملامح البشاشة و الابتسامة المشرقة , فجأة صار يعود أواخر الليل فارغ اليدين مترنحا يصارع الدمار الذي أحدثته الكحول و المخدرات على جسده النحيل , كانت تنظر إليه بعين الشفقة رغم ما تلاقيه منه من معاملة سيئة حوّلت بيتهما الصغير من بستان يملأه الفرح إلى جحيم لا يطاق , كانت كلما اشتد بها الألم انزوت بإحدى الغرف و ظلت تنحب حتى ترتوي من أحزانها خلسة دون أن يشعر بها طفلاها الصغيران , فهي حريصة على إخفاء دموعها حتي لا يشاركانها أتراحها و تبقى بعيدا منفردة بالمأساة لنفسها . في البداية حاولت جاهدة أن تعالج زوجها و أن تعيده إلى سالف رشده , حاولت أن تفرق بينه و بين أصدقاء السوء , عرضت قصتها على كبير الوعاظ و مشايخ العشيرة في الحي , باعت ما لديها لتعالجه لدى أمهر الأطباء , لكن دون فائدة . في الأخير و قبل منعرج اليأس من شفائه بقليل لم تجد بدا من اللجوء إلى زيارة السحرة و المشعوذين و عرض حالة زوجها على مسامعهم .. قال لها كبير التعاونين مع الجن عليك أن تأتيني بقطعة من ملابسه و سوف أتكفل بإرجاعه إلى الجادة , سوف ينقطع نهائيا عن شرب الخمرة و تعاطي المخدرات و سوف يصبح مطيعا لك و يعود إلى المنزل في الوقت المناسب كما كان في سالف العهد .. بدأ حديث المشعوذ يبعث بشيء من الأمل إلى صدر حليمة المكلوم , ابتسمت رغما عنها و عادت إلى البيت مسرعة , وضعت سروال زوجها في الكيس و رجعت به مسرعة إليه , سلمته الكيس ففتحه مرددا تمتمات لا يفقهها إلاّ الجن أو الشيطان , أشعل نارا , وضع بخورا يسد مسالك الجهاز التنفسي , علا صوته يردد كلمات غريبة ( حرنوش – جماروش- بربوش) حتى أغمي عليه , استفاق بعد لحظات ليطمئنها بالقول : لقد وضعنا الطلاسم اللازمة على سروال زوجك , غدا سوف يأتيك مباشرة بعد الانتهاء من عمله لن يتأخر إلى ما بعد منتصف الليل كما اعتاد .. سلمته المبلغ المالي المتفق عليه ثم عادت مهرولة تنتظر الغد المشرق بشغف شديد ..باتت ليلتها متقلبة زارتها كل الهواجس و الأحلام التي لم ترها من قبل حتى طلع الصباح , قضت يومها على مضض , كانت اللحظات تمر و كأنها أيام من حرب طويلة حتى غربت الشمس بعد شق و معاناة , اقترب موعد عودة زوجها الذي حدده الساحر , انتصبت على مقربة من مدخل المنزل تستمع إلى طرقات قلبها متنظرة طرقات يد بعلها على الباب ..فجأة انحبس الدم في عروقها ! إلهي هناك من يطرق الباب ! من المؤكد أن يكون زوجها رجب !لقد أفلح الساحر و عالجه بالطلاسم على السروال !! اندفعت نحو قفل الباب و فتحت ! يا لها من مفاجأة غريبة أنه رجل غريب لا تعرفه , رجل أزرق العينين , أصفر الشعر شديد البياض قال لها بلغة فرنسية : أنا جون كلود من فرنسا جاءت بي إليك قوى غريبة لا أعرف ما هي و لا حتى من أين جاءتني و لماذا قادتني إليك ..هنا انهارت قواها و تذكرت أن زوجها قد اشترى السروال من سوق الملابس القديمة المستعملة القادمة من فرنسا .