علال المديني
عند كل مناسبة عيد الأضحى المبارك تتناسل أسئلت واستفسارات كثيرة من طرف المسلمين عن شروط الأضحية وما ينبغي أن يتوفر فيها وما لا ينبغي وجوده من العيوب في الأضحية ، وكل هذه الأسئلة مرده بالأساس إلى رغبة المسلم في معرفة أحكام الشريعة وتحقيق الامتثال لله تعالى على الوجه الأكمل والصحيح ، ومرد الأمر كذلك إلى شيوع كثير من الأحكام والأقوال الخاصة بالأضحية بين الناس دون معرفة مدى صحتها وثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
ومن الأحكام التي تتردد كثيرا على ألسنة العامة في هذا الشأن هو حرمة التضحية بكبش كسر قرنه أو بالأعرج أو من قطع من أذنيه .... وغيرها وهو ما سنقف معه في هذا المقال استجابة لطب من أحد الزملاء ، ولكن قبل ذلك لا بد من الوقوف مع مسألتين ضروريتين :
• الأضحية ليست فريضة في الإسلام كما يعتقد كثير من عوام المسلمين وإنما هي سنة لمن له الاستطاعة والقدرة على ذلك، ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن يتكلف المسلم في توفير ثمن الأضحية كأن يبيع أثاث منزله أو عقار من أجل توفير ثمنها ، ومن يفعل ذلك فقد جنا على نفسه وربما دخل في معصية ...
• المسألة الثانية لها علاقة بالأولى وهي أن مناسبة العيد وذبح الأضحية تحولت من عبادة إلى عادة سيئة ، ومن بهجة وفرح إلى بؤس ومعانات ، فمعنى أن تكون أضحية العيد عبادة فهذا يعني التقرب إلى الله وابتغاء وجهه تعالى بعيدا عن الرياء والتظاهر و بعيدا عن أي شوائب النفس التي تهلك صاحبها في الخضوع لرغباتها الأنانية في التباهي أو التظاهر بالغنى أمام الناس رغم الحاجة والفقر ، والعبادة هي في النهاية حالة من الفرح والسرور بلقاء الرب أو التقرب إليه بأحب الأعمال وهي زيادة في الأجر وتحيق الرضا وهو ما يولد في النفس حالة من الفرح أما أن تتحول إلى مشنقة تلف عنق العبد فهذا لم ينزل به سلطان ولم يقل به أحد من أهل العلماء ...
في المغرب مناسبة عيد الأضحى أصبحت عادة أكثر من كونها عبادة لذلك تجد كثير من الناس من يتكلف في توفير الأضحية استجابة لعادة ورضوخا للتقاليد المجتمعية البالية ، ويساهم في هذا الأمر النمط الاجتماعي السائد في المغرب الذي يحول الفرد داخل المجتمع إلى مستجيب انفعالي لقواعد المجتمع الصارمة التي لا تعتبر الظرف الاقتصادي لأفرادها وما يؤزم الوضع أكثر خضوع الأطفال لهذه الدوامة من العلائق القاسية والممارسات الماثلة التي تساهم في تأزيم الناشئة وتعميق الأزمة ، ولو حالات الاستغراب السائدة وماكنة التغريب الطاحنة التي تعمل جاهدة تواصل الليل بالنهار من أجل مسخ هوية المسلم وقطع جذوره الثقافية والتاريخية لا كانت الدعوة إلى عدم التضحية يوم العيد مناسبة لما تحدث هذه المناسبة من مشاكل على الأسرة و انحرافها عن مقاصدها السامية التي رسمها الإسلام ، واستحالة رفع هذه الدعوة يبقى بيان الأحكام الشرعية في المسألة ضرورة ملحة لأنها تبدد كثير من الأحكام والأقوال السائدة عن أضحية العيد والتي تزيد من تأزم المسلم وبيان الأحكام الصحيحة تيسر و تراعي حال الغني والفقير
1- العيوب التي تتقى في الأضحية
1*عن مالك عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال أربعا وهي :
* العرجاء البين ظلعها
*والعوراء البين عورها
* والمريضة [ البين ] مرضها
*والعجفاء التي لا تنقي "
فالحديث النبوي الشريف بين بوضوح الأمور التي ينبغي أن تنتفي في أضحية العيد وقد حددها في أربعة مع بيان أن هذه العيوب التي لا تجوز أن تكون في الأضحية بينة وواضحة أما العيب القليل فلا بأس ..وهو ما أكده الحديث الثاني كذلك
2*عن عبيد بن فيروز - مولى بني شيبان - قال سألت البراء ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي وما نهى عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويدي أقصر من [ يده ] العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والكسير التي لا تنقي ) ) قلت للبراء إني أكره أن يكون في السن نقص أو في الأذن نقص أو في القرن نقص قال [ ما كرهته ] فدعه ولا تحرمه على أحد
قال أبو عمر أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها فإذا كانت العلة في ذلك قائمة آلا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز وكذلك ما كان مثل ذلك كله
وفي هذا الحديث دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم ( ( البين مرضها والبين ظلعها ) ) وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة لقوله [ العوراء ] البين عورها وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال لقوله والعجفاء التي لا تنقي يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم والنقي الشحم
قال مالك العرجاء التي لا تلحق الغنم فلا تجوز في الضحايا " الاستذكار لابن عبد عبد البر
الضحية المكسورة القرن
في الأسواق أو في النقاشات اليومية عن الأضحية تجد كثير من الناس من يردد أن" مكسورة القرن "وأ"منعدمة القرن" لا تجوز في التضحية وهو غلط كما سنبين فيما يأتي :
"ذكر بن وهب قال أخبرني عبد الجبار بن عمر ( عن ربيعة ) أنه كان يكره كل نقص يكون في الضحبة أن يضحي به قال فأخبرني ( عمرو ) بن الحارث وبن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أنه كان يكره من الضحايا التي بها من العيب ما ( ينتقص ) من سمنها قال وسمعت مالكا يكره كل نقص ( يكون ) في الضحية إلا ( القرون وحدهم ) فإنه ( كان ) لا يرى بأسا أن يضحي بمكسورة القرن وتراه بمنزلة الشاة الجماء
و قال أبو عمر جمهور العلماء على القول بجواز الضحية ( المكسورة ) القرن إذا كان لا يدمي فإن كان يدمي فقد كرهه مالك وكأنه جعله مرضا بينا " الاستذكار لابن عبد عبد البر