رسالة عبر الحدود
عام 2000م وكنت بالغربة
..
هـل مثل عزِّك قد حازته أقطـارُ
أو مثـل أرضـــك إذ يأتيك زوَّارُ
..
جـاؤا إليك من الأعماق يدفعهم
حبٌ وشوق وإجْـــلالٌ وإكبـــارُ
..
شدّوا الرحال وبيت الله مقصدهم
والله يكلــــؤهــــم والله غفَّـــــــارُ
..
يا خـيَر أرضٍ إذ الرحمن فضَّلهـا
ما شــاء يـخـــلق إنًّ الله يختــــارُ
..
من أجل مكة يحلو البذل قد رخصت
في حب مكــــةَ أرواحٌ وأعمــــــــارُ
..
فليكثرنَّ من الأعمـــــال مجتهـدٌ
وليَجْهــــدنَّ لفعـلِ الخير مِكْثــــارُ
..
إنَّ الـمُحب يُرى في بذلــــه فرحًـا
عمَّــا ينــــال ويعطي وهْـو مختـارُ
*****
صارت لمكة من بطحائهـا حـللٌ
فيهـا الجمـــال له وشْيٌ وإبـهــــارُ
..
فـالظل منبسط والمـاء منسكب
والأفــــــق يملـــؤه دوحٌ وأزهـــــارُ
...
واخْضَوْضَرت جَنَبات القاع يانعـةً
كأنمــــا انْبَجَسَــــت منهـــنَّ أنـهـارُ
..
واسُتُحْدِثت طُرُقٌ ونُفِّذت خططٌ
سـارت بروعتها في الكون أخبارُ
..
وأصبح البيت في أبـهى تألّقِـهِ
تـَحُــجّــه أمــــمٌ كُـــثْـر وزوارُ
*****
هنا الرسولُ أضاء الأفق وانبثقت
من نوره لســـمـاء المجـــــد أقمارُ
..
قد سَطّروا صحفا للناس مشرقةً
لهــــا على الدهر أبعــادٌ وآثـــارُ
..
البـــاذلون على الأيــــام برهـمو
كأنـــــه في مجـال الخـير أمطـارُ
..
فلا تزال لهـم أيـدٍ مكارمهــــــــــا
ضاءت بـها مدن كثْرٌ وأمصــــارُ
..
كانت جهودهمو للحبِّ ترجمـة
إنَّ الـمحبــةَ أفعــالٌ وإيثــــــــارُ
..
وخطوةٌ في شعاب الصعب ثابتةٌ
وموقفٌ لبنــــــاءِ الصرح مغْوارُ
..
دستورهم من كتـاب الله مقتبسٌ
ليست به من هوى الآراء أفكارُ
..
فما يلين لهم عزم وقـد جَهـدوا
ولا يغيض لهـــم رأيٌ وإصــرارُ
..
ولا يُطــــوّر شيء ٌفي بدايتــــــه
إلاَّ وكان له من بعــــد أطــــــوارُ
..
صلد الصعاب لدى إصرارهم وهيت
كما تُلَيِّن صَلْبَ المعـــــــدن النــــارُ
..
ضخم الأمورِ لدى أحلامهم صَغُرت
كأن شاهقهــــــا في الطول أشـــبارُ
...
لهم مواقف خير نــــــــــام غيرهمو
عنها وقد عُرفوا بالخير واختـــــاروا
..
وموقف كشعاع الشمس ذو شرف
من كل جائحــة يدمى بـها الجـــــارُ
..
هم الرجال على أعتاقهم نَـهضت
دعائم المجــد لم تَـهْــــزُزْه أخطـــارُ
..
قد أسّسوا أمة ضُمّت بـها أمم
ورايــة الله تحـــدوهم إذا سـاروا
******
وقد تبدلت الأيــــــام وارتفعت
بين البــلاد من الأحقــاد أسوارُ
..
لكن لمصر صبابات يؤججهــــا
مَرُّ السنين وبي من شوقهـــا نــارُ
..
في غربة فرضتهـــا كل طارئــــة
أعطيت فيها ربيع العمر من جاروا
..
أنَّى نأيت فقـــلبي ملــــؤه ولـَـــــهٌ
يهفـــــــو إليك ودمع العين مـدرارُ
..
لي في هواك معـانٍ ليس يبلغهـا
وصف ونثـر وتمثيل وأشعــــــارُ
..
يا موطنـا بصميم الروح موقعـه
وحبــــــــه بدمـاء القـــــلب دوَّارُ
..
خاب البغاة وعن أعتابك انتثـروا
كما يشتت رمل البيــــــد إعصـارُ
..
ما مثل قدرك في الوجدان منزلة
أو مثل أهلك أُنْسًــــا حين نـختـارُ
..
وأخوة قد صفت في الله صحبتهـم
عون على البرِّ بالخـــيرات سـمَّارُ
..
رافقتهم زمنــــا عذبـــا مضى غَدِقًا
حـلــــــوا يظــــلله ورد ونـــــــوّارُ
..
الباسطون وجوها من بشاشتهـا
كأنمــا انبثقت منهــــن َّ أنــــوارُ
..
النـاصحون بقول في حـلاوته
كأنـــــه خـبر باليمـن ســـيـــَّارُ
..
قول المحب ولو يقسو له طـرب
كأنمـا عزفت بالحــرف أوتـــــارُ
..
هذي رســـالة ود قمت أكتبهـــا
بعض الكلام به نفعٌ وإشعـــــارُ
..
إن الأوائل قد صاغوا لنـا مثلا
فيه لنــــا أبـدا هَــــــدْيٌ وتذكارُ
..
إنا غدونـــــــــا دويلات مفرّقـةً
باتت تُشَـتِّـتُها في البغض أوطـارُ
..
مالي أرى الحب قد جَفَّت موارده
وعمَّت النبع أوشــــاب وأكــــدارُ
*****
يا من تركت فـؤادي في تحــــيره
كأنمـا اضْطَرمَت من وجــده نــارُ
..
إني على العهـد دوما لا أضَيِّعـه
وأحفظ الود مهــــمـا شَطَّت الدارُ
..
ما كان صدق هوانا حادثا عرضا
لكنـَّـــــــه أبدا حتم و أوصـــــارُ
..
لا تهـدمنَّ ودادًا بتُّ أحرســـــــه
هــــدم المودة بالأحزان إنـــــذارُ
..
يجني الأحبة شهدا من وصالهمو
ما بــــال حصتنا شـوكٌ وصبــــارُ
..
كنَّا على البعد حبل الله يجمعنـا
كيف افترقنا وقدر البعد أمتـــــارُ
..
إذا أردت محيط الأرض تقطعـه
في بعض يوم وما تضنيك أسفـارُ
..
قد تربط الناس رغم البعد أوْشِجة
وتفصل الناس رغم القرب أوْغـارُ
..
إن ساءكم سمة فينـا تريبكمـو
فليس يلزمهـا هجــر وإنكـــــارُ
..
تفور أنفك لايدعوك تقطعــه
ولا ذراعــك تعطى فيـه قنطـارُ
..
لا تـجزني بوفـائي منك نائلـةً
كما مضى بجـزاء الجهد سنمارُ
..
لأحبسن دموعي عنـد فرقتكـم
إن الدموع بضعف الصبِّ إقــرارُ
* * *
جحافل الشرِّ تبغي قنص وحدتنـا
ولايلـــين لهــــا ناب وأظفـــــــارُ
..
مراجل الغلِّ تغلي في جوانحهـا
ومسعر الغــــدر كالبركان هَـدّارْ
..
وحِّـد صفوفك ما للجن نأفـذةٌ
على حمـاك وما للغــــدر أوكـارُ
..
قـد زيِّنت طرق للناس مهلكـةٌ
فـالزم طريقك ليست فيه أضرارُ
..
نَـهْج هـداك له الرحمن معتــدلٌ
في الميـل عنــه تبــاريحٌ وأوزارُ
* * *
شواهق المجـد إرث قم لتطلبـه
ودونهــــا تعب مضن ومشــوار
ُ
وفيك عزم أوار النـــــار يرهبـه
ولا تردك أهــــــوال وأخطــــارُ
..
كم اقتحمت عباب البأس في أنف
ليست تخالطـــــــه للخـوف آثــارُ
..
وإن نفرت إلى باغ ظفـرت بـه
ما للصواعق إذ تجتــاح إدبــارُ
..
لا تركننَّ لأيــــــام مرفَّهــــــــةٍ
سهل مسالكهـا فالدهـــــر غرَّارُ
..
أو تعجبنَّ بعـلم صرت تعرفـه
فالعلم ذو سعة والكون أسـرارُ
..
لا تغبطنَّ ذوي يسـر على ترفٍ
فربمــــا كَمُنت بالنبـع أكــــــدارُ
..
ما غير حظك في الدنيـا ستدركه
فإنمـــا رُسِـمت للنـاس أقــــــدارُ
..
والرأي للرأي دعـم حين نخلصه
والكفُّ بالكفّ عزم ليس ينهـارُ
..
ورائد القـــوم مرهـون بِـحُنْكَتِــه
فالأمــر ملتبس والنـاس أغيـــارُ
* * *
ما أضيع النـاس في لهو وفي ترفٍ
والوقت أثمن شيء فيـــه إهـــــدارُ
..
لا خير في رجل إنتـاجه صـدفٌ
وعيشه ترف والجُهــــد أصفـارُ
..
ما العمر غير نتاج الجهـد في زمن
منه وإن بُسِطَت للنـاس أعمـارُ
..
وإن قـدرك فيما أنت تـتـقـــنـه
بذلك اختلفت للنــاس أقـــــدارُ
..
تدافع الناس عبر الدرب وازدحمت
عنـد المنـــافذ أقـــــوام وأقطــــــارُ
,,
فاسلك طريقك في جـد وفي جلدٍ
ولتسرع السعي إن الناس قد طاروا
..
متى أرى الركب قد هَمَّت مواكبه
وليس ينقصــــه إذ هــــمَّ إصـرارُ
..
مكانكم في ذرا العلياء ناظركم
وسيفكم فوق هــام الصعب بَتـَّـارُ