ما العلاقة بين نظرية زوندي واختباره؟
يمكن أن تلخص المبادئ الأساسية لنظرية زوندي البيولوجية بما يأتي:
1. إن العوامل الوراثية الكامنة، أو ما تسمى بالجينات المتنحية، لا تبقى ساكنة أو غير نشطة لدى الفرد، بل تمارس تأثيرا مهما وحاسما على سلوكه.
2. تدعي نظرية الجينات الكامنة المتنحية هذه، أن ليست العوامل الوراثية المسيطرة هي التي تحدد اختيار الموضوع للفرد. وإن الدوافع "drives" الناتجة عن تلك الجينات الكامنة، هي التي توجه اختيار الأفراد لمواضيع الحب، والصداقات، والمهن، والمرض، وطريقة الموت.
3. وبناء على ذلك، فإنه منذ بدء التكوين للإنسان هناك خطة كامنة للحياة موجَّهة بواسطة ما يسمى بالدوافع. وكنتيجة طبيعية لذلك، فإن زوندي يقدم مفهوم الانتحاء التكويني "Genotropism"، وفُهم هذا على أنه العملية التي من خلالها ينجذب شخصان بعضهما إلى بعض، بسبب تشابه similar أو تطابق identical أو ترابط related عناصر جيناتهما الكامنة
(Rabin, 1951, p.498) ، ( Szondi, 1952, pp.1-16).
إن تلك المبادئ، هي الأساس الذي بنى عليه زوندي اختباره، وأثبته validated، وكما أكدت Deri:
"بنى زوندي اختبار الصور، ويتألف من صور فوتوغرافية لأفراد مصابين بأمراض عقلية. ولقد كانت الغاية الأصلية لهذا الاختبار هي إثبات نظريته تجريبيا حول دور الجينات الكامنة المتنحية في التأثير على ردود الأفعال السلوكية. وتبعا لنظريته، فإن الاضطرابات العقلية -المتمثلة في الاختبار- هي من مصدر جيني، وإن رد الفعل الانفعالي للمستجيب على تلك الصور الفوتوغرافية كان يعتقد أنه يعتمد على بعض التشابه بين بناء الجين للمريض المتمثل بالصورة الفوتوغرافية والمستجيب للصورة" (Deri, 1949, p.1).
تتألف مادة الاختبار من (48) صورة فوتوغرافية، بحجم (2 × 3) انج للصورة الواحدة. وتمثل كل صورة وجها لمريض عقلي. وقسمت الصور في (6) مجموعات، تشكلت المجموعة الواحدة من (8) صور. يتبعها وصف زوندي، كل صورة من الصور الثماني والاربعين المشخصة على أنها صورة لفرد يعاني من مرض له علاقة بعامل دافع معين؛ وكل الأفراد الذين صُوِّروا يعانون من اضطرابات الدافع drive disorders، وقد وضعت علامة على ظهر كل صورة بالحرف الأول لاسم الاضطراب الذي يعاني منه بشدة صاحب الصورة. ويُسأل بعدها المستجيب أن يختار صورتين يحبهما أكثر، وصورتين يحبهما أقل من كل مجموعة. وتكوّن توليفة الاستجابات بروفيلا profile يكون مفسرا في مصطلحات، للمعاني النفسية لما اختير أو رفض من الفئات السريرية المتمثلة في الصور (Deri, 1941, pp.8-9 ) ، (Szondi, 1952, p.18).
كيف تعامل الاستجابات على الاختبار؟
كل الأجوبة المحتملة ملائمة على أساس الرموز السيكولوجية لنظرية زوندي. وهكذا، رتب الشرح الموجز لنظرية العامل- الموجه Vector-Factor theory: تبعا لزوندي فإن هناك أربعة موجهات للدافع، وكل واحد مقسم إلى عاملين أساسيين؛ ويزعم زوندي أن تلك العوامل تمثل المجال الكلي للقوى الدافعة driving forces التي تعد جزءا لا يتجزأ من شخصية الإنسان، "السوي" أو "غير السوي". ويمثل كل موجه Vector منطقة معينة في الشخصية تظهر شكلا حادا من الحالات المرضية طبقا إلى العاملين اللذين يؤلفانه. وفي الوقت الذي يعد فيه الموجه دافعا عاما، يعد العامل factor الذي يشارك في تكوينه بطريقة ما، من الدوافع أو أنظمة الحاجات need-systems الأكثر خصوصية. ولأغراض الاختبار، تفترض أنظمة الحاجات، بغض النظر عن تكونها الوراثي . إن هذا الافتراض هو الفرضية الأساسية التي يتضمنها اختبار زوندي (Szondi, Moser, and Webb, 1959, p.8).
ويقترح زوندي أنه في الاختبار "يختار المستجيب نفسه، باختياره صورة لشخص يشبهه" ويضيف زوندي، "كل الفئات (للصور) متكافئة equivalent بالنظر إلى مظاهرها التركيبية structural والبيولوجية، ولذلك، يمكن أن يفترض أن الفئات المتكافئة لردود الأفعال هي مكررة ست مرات متتالية خلال الاختبار" (Szondi, Moser, and Webb, 1959, p.8).
ولعل من الجدير أن نناقش بإيجاز عرض زوندي للأسباب التي جعلته يستخدم تلك الصور الفوتوغرافية !
كان زوندي واعيا أن صور اختباره الفوتوغرافية هي صور ذات نمط قديم وأدنى درجة في النوعية من أن تضاهي الصور الفوتوغرافية لعصرنا الحاضر. ومع ذلك، لم تتغير صورة واحدة من صور الاختبار. ويطرح زوندي تفسيرين لذلك: الأول، إنه كان يتقصى عن "نماذج خالصة" types pure ، وإذن، فإن تلك الصور هي وحدها التي قد لا ينفع أن يثار حولها إي استفهام بشأن التحليل .
والتفسير الثاني، أنه انتبه إلى أن الصور الفوتوغرافية المختارة لها قوة تمييزية discriminatory power بين من كانوا "سواء" normal و "لا سواء" abnormal، ممن يستجيبون للاختبار (Szondi, Moser, and Webb, 1959, p.10).
من أين جاء زوندي بتلك "النماذج الخالصة"؟
جمع زوندي الصور الفوتوغرافية من مصادر إكلينيكية تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ حصل على 38 منها من كتب كتبها أطباء نفسيون ألمان هم Weygandt، و Magnus Hirschfeld، و Binswanger، و Kirchhoff and Scholz؛ وجاءت 6 منها من أطباء نفسيين من معهد السويد للطب النفسي الجنائي؛ و(4) منها من زوندي نفسه. وإذن، فإن الصور الفوتوغرافية تمثل أفرادا عاشوا في هنغاريا، والسويد، واستراليا، وألمانيا.
ألا يشكل المظهر الأوربي الواضح على وجوه الأفراد المتمثلين في الصور الفوتوغرافية، مانعا من استخدامه مع العينات من بلدان أخرى؟
الجواب هو "بنفس الطريقة التي أسكتت بها القيمة الأصلية لاختبار رورشاخ الكثير من النقاد، كذلك اليوم في أوربا الغربية وبدرجة أقل في بلدان آسيا، فإن إثبات القيمة الإكلينيكية لاختبار زوندي في تلك البلدان أسكت معظم النقاد فيها" (Szondi, Moser, and Webb, 1959, p.4).
بعض الآراء الختامية Some final considerations
هناك رأي Milton R. Machuca الذي يقول: كنت طالبا في الكلية عندما مررت عرضا باختبار
زوندي؛ وعلى الرغم من أنني كنت شكوكيا skeptical حول منطقه وتطبيقاته، إلا أنني وجدت هذه الصور تثير فضولي بشكل كبير. إذ كيف يمكن لأحد أن يكوّن اختبارا مثل اختبار زوندي؟ وكيف يمكن أن يثبت أن نتائجه صادقة ويمكن أن تُعمم؟ وكيف يمكن تبرير استمرار استخدام الاختبار على نطاق واسع؟ ووجدت بالتجربة أن الصور الفوتوغرافية المنتقاة من قبل زوندي موهوبة قوة شبه سحرية
(Machuca, 2000, p.5).
ويشير أحد تلاميذ زوندي إلى؛
أن زوندي بصوره الفوتوغرافية،… "الثماني والأربعين وجهاً للقدر، قد مثل بصورة مصغرة هذا الميل للشخص لأن يسقط أفكاره. فسواءٌ، كان الرجل الفطري يعبر عن أفكاره ومشاعره وما يطمح إليه في حروف مبهمة، أو أن يصور الفنان المبدع تلك العناصر بالرسم أو بالنحت أو بالكلمات الأدبية، أو أن تعبر عينة اختبار زوندي عن تلك الظاهرة ببساطة من خلال الاختيار لصور زوندي الفوتوغرافية، فالواقع أن الأفكار والمشاعر تبقى حقائق (Deri, 1990, p.491).
وبالطريقة نفسها التي فتح بها روسيتاRosetta أسرار الحروف المبهمة hieroglyphics، ففتح أسرار العالم القديم، كذلك نظام زوندي في عملية التشخيصات النفسية psychodiagnostics، فمن خلال لغة الاختيار كان قد فتح أسرار الشخص واللاشعور العائلي، ومن ثم داخل أسرار الشخصية نفسها. وإذن فالمذهب الزوندي Szondianism هو روسيتا علم النفس (Deri, 1990, p.491).
.
.
يتبع
الأستاذ عاقد الحاجبين؛ أشكرك على الشكر الجميل.
الاخ الدكتور السمان؛ بالفعل هو اختبار غير معروف بالساحة العربية إلا قليلا، وكنت قد تبنّيته أداةً في دراسة استجابات المراهقين الجانحين وغير الجانحين من خلال بحثي الذي كان جزءا من متطلبات نيل درجة الماجستير في علم النفس، وقد حاز لاصالته على تقدير امتياز والحمد لله. وقد تبين فعلا ان للاختبار قوة تمييزية بين استجابات الفئتين أعلاه، وله قدرة على التحليل والكشف عن دوافع كثيرة.
وبالنسبة للمصادر فقد حصلت عليها من خلال مراسلة باحثين في جامعات ومستشفيات أجنبية، ومن خلال معهد خاص معروف باسم معهد زوندي Szondi Institute على شبكة الانترنت .
شكرا جزيلا على الاهتمام، ونرجوا ان نكون عند حسن الظن دائما
الاستاذ عطية العمري؛ شكرا على المتابعة