قرأت هذا المقال الرائع بجريدة الأهرام لمهندس معمارى عن تاريخ يوم شم النسيم وارتباطه الوثيق بالعقيدة الفرعونيه، والعجيب أننا حتى هذه اللحظة نفعل دون أن ندرى ما كان يفعله الفراعنة من طقوس فى يوم شم النسيم لعبادة آلهتهم !!! أعرض عليكم المقال الذى أتمنى أن تقرأوه جيداً وتتحاشوا ما نفعله فى هذا اليوم ويتعارض مع الإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------
ايام الاعياد في شخصيات وتاريخ الشعوب تختلف عن غيرها من المناسبات السياسيه او الاجتماعيه فالمناسبات السياسيه لايتعدي الاحتفال بها مده قصيره من عمر الزمان سرعان ماتندثر وتحل محلها اخري وكذلك المناسبات الاجتماعيه مرهونه ببقاء المسببات المبقيه عليها اما مايصادفنا من مناسبات تعبر عن معان عقائديه راسخه في افئده الناس فانها تصبح ولاشك مانطلق عليه ايام الاعياد, ويوم بحجم يوم شم النسيم يعد بحق يوما مشهودا علي خريطه العام الواحد فقد استطاعت تلك المناسبه علي مدي تاريخها ان تدفع شعبا باكمله في ذلك اليوم علي الخروج واتخاذ المجالس في الحدائق والاماكن المفتوحه قبل شروق شمسه يحمل الناس معهم رموزا لاتتغير تعبر عن الاحتفال به لم تخرج عن البيضه ملونه ومنقوشه والسمكه في صورتها التي نعلمها.
ان هذا اليوم الذي استطاع ان يفرض مفهوم العيد من خلال الاجماع علي الاحتفال به منذ الاف السنين لايمكن ان يكون احتفالا اجتماعيا او مناسبه ارضيه ابتهاجا بمجرد مقدم فصل الربيع فلابد ان يكون هناك مفهوم عقائدي ديني قد رسخه في الاذهان والافئده, فما مفهوم ذلك اليوم ومامعني الاحتفال به علي هذا النحو, وماارتباط تلك العناصر السابقه به.
ان عيد الربيع بمفهومه المادي يعني يوم الانقلاب الربيعي او مايعنيه من شروق الشمس من نقطه الشرق تماما, ونظرا لظاهره الترنح
PRECESSION
المصاحبه لحركه دوران الارض وتغير ميل محور دورانها حول نفسها باستمرار فان هذا اليوم في زمننا الحاضر قد اختلف عن موقعه عند القدماء ليصبح في يوم اخر وان كان مازال ثابتا في تاريخه الزمني باعتباره عيدا عقائديا مشهودا عند المصريين القدماء الذي ارتبط بالتاكيد بمعني الشمس المشرقه من تلك النقطه المتفرده علي الافق وهي نقطه الاعتدال.
ان ظهور الشمس بهذه الهيئه انما يربطها ربطا معماريا فيزيقيا بهياكلها الارضيه وهي المباني الهرميه, فالهرم هو بيت الشمس علي الارض او هو الكيان والصرح والهيكل المستور لظهورها وحلولها فكيف يكون ذلك.
ان الالهه عند القدماء لاتظهر بحقيقتها الشكليه او تشخيصها البصري ولكن في تجسيد وتوضيح لمفاهيمها الوظيفيه المنوطه بها, ولايمكن التعرف علي المعبود عندهم الا بشكل ناقص او من خلال انعكاساته.
فعندما يتجلي احد المعبودات مباشره امام عيون البشر فانه يتخذ الشكل الذي يناسبه دون ان يعبر هذا الشكل عن هيئته الحقيقيه ويمتنع عن هذا المشاهد ان ينظر اليه في اعتقادهم والا اخذ بصره ويشتعل ويلقي حتفه, والهرم ايضا كهيكل للشمس لانري حقيقته كما نراها ماديه حجريه فان له مضمونا شفافا روحيا في عالم الخلود يستطيع من خلال شفافيته ان يتعامل مع شعاع الشمس المشرقه كمرادف للعقيه الشمسيه القديمه, فهو في الاصل كريستالي المفهوم اشعاعي المضمون, فاذا اشرقت الشمس من نقطه الاعتدال في ذلك اليوم تكون عموديه علي خط قاعده الهرم وتظهر وتحل داخله كانعكاس لقرصها المتوهج الذي يحرم علي عابديها النظر اليه في عليائها ليصير حلولا ارضيا لشكلها السماوي وهبوطا لمفهومها ومدلولها الي مستوي عابديها وان كانت مستتره داخل هيكلها الحجري المادي, وظهورها داخل الهرم يكون علي صوره تجسيد مادي ياخذ شكلا بيضاويا كانعكاس منكسر للقرص المستدير القابع داخل هرمها الكريستالي, انه ظهور مادي خارج الهرم يخضع لقوانين الانكسار الضوئيه الطبيعيه, ولايستطيع ان يراه في عقيدتهم الا من يسمو بروحه وتشف حواسه فيلتقط اهداب شكلها الارضي البيضاوي التي تجسدت به, ولا ريب ان هذا الادعاء انما كان لكبار الكهنه والمتبحرين يتلمسونه لمن يلونهم ويتبعونهم من عوام الناس وجموع المومنين.
وهنا يكون هذا عيدها الذي تجسدت فيه وولدت من داخل رحم المبني الهرمي, وهبطت لتعلن عن انبثاق الارض بعد طول ترقب وانتظار.
وتحدثنا الروايات عن تلك البيضه التي انبثقت منها الشمس, وانها قد ظهرت اما من اعماق المحيط الاولي, واما انها قد سقطت من السماء, كما نسب الي بتاح انه خالق البيضه الخاصه بالشمس, فكانت البيضه هي رمز الشمس المتجسده, ورمز انبثاق الحياه لها, ناهيك عن مفهوم بيضه الطعام, وعن سر الحياه القابع داخلها من خلال كره المح المشابهه لكره الشمس الصفراء, والتي يخرج منها مخلوق حي يسعي بعد موت ورقود.
ان البضه هي رمز ذلك اليوم ففي شكلها تجسدت الشمس وعلي مضمونها بنيت العقيده القائمه علي فكره انبثاق الخلق وعوده الحياه.
انه يوم عيدها التي اختارت فيه هولاء الاطفال الاطهار الابرياء لالباس رمزها الارضي ازهي حلله وابهج الوانه من خلال نقوشهم الحيه, والوانهم المتعدده المتحلقه حول البيضه كقوس قزح المتولد عن انكسار الاشعاع من كينونه الشمس.
وقد كانت العقيده المصريه القديمه تفترض ان الخلق كله قد انبثق من محيط مائي ازلي عميق بلا حدود خرجت منه جميع المخلوقات, واعقب ذلك بعث الحياه ووضع نظام وقوانين الكون, فكان استجلاب عنصر السمكه مقترنا بيومنا هذا اشاره الي ذلك المفهوم المائي واستحضارا لروح الحياه وانبثاقها من خلال الامعان والتعمق في فكره الموت باتخاذ تلك الاسماك المحنطه المملحه منذ زمن طويل كالمومياوات في توابيتها الخشبيه كماكل في ذلك اليوم, وقد كان هذا قمه الايمان بحقيقه روح البعث وعوده الحياه من جديد, ويكون هذا الطعام في الغالب مصحوبا باكل نباتات مخضره جذريه منبعثه من تحت الارض كنايه عن فكره الانبثاق من عالم الموت السفلي.
كما ان لدينا مفهوما معماريا مشعا اخر يتكامل مع ماسبق من مضمون اشعاعي داخلي بالهيكل الهرمي, يتعامل مع الاهرام كعناصر نورانيه مشعه, ولعلنا نجد اوصافا لعديد من الاهرامات توحي بالمظهر الخارجي المشع الباعث بالضوء الي محيط الهرم الخارجي, فنجد ان صفه هرم سنفرو ميدوم سنفرو يلمع ويشع وكذلك هرم سنفرو بدهشور يلمع ونري روح ساحورع تلمع من هرمه في ابوصير اما هرم مرنرع بسقاره فهو يلمع وجميل وهكذا, فما سر هذا اللمعان وماحقيقته لقد علمنا ان اوجه الاهرام كانت مغطاه بطبقه من الحجر الجيري الابيض الناصع الذي يجعل الهرم يبدو كالمراه العاكسه لاشعه الشمس, ويجعله يبدو كدره لامعه وسط رمال الصحراء, ولعل مايوكد هذا المنحي انبعاج واجهه الهرم قليلا الي الداخل نحو مركزه مكونا مايشبه ثلاثه مثلثات تتلاقي في نقطه واحده مما يصنع في وجود الكساء الابيض الناصع مراه مقعره مائله تعكس الاشعه الساقطه عليها بصوره مجمعه لتتلاقي في بعد بوري يقبع في بدن السماء وبين مسارات السحب وزرقه الفضاء.
ان خطوط التقاء هذه الاسطح الثلاثه انما تشف خريطه مصر المجرده بنيلها الجاري في دلتاه المثلثه ومساره الخطي بواديه الضيق, لقد تحددت مصر كلها بين ضفتي واجهه الهرم مطبوعه علي هيئه التاسوع المقدس في صوره الاضلاع التسعه لتلك المثلثات معلنه انتماء مصر القديمه الي تلك العقيده الشمسيه, فاذا تعامد شعاع الشمس في زاويه خاصه في وقت معين في ذلك اليوم من عليائها علي مسطح الواجهه الهرميه لاصبح هذا الصرح العقائدي في وضع مادي فريد يتيح له سموا روحانيا ولتواصل قرص الشمس مع هذا الكيان الارضي تواصلا اشعاعيا ذهابا وايابا اوثق صله من خلال اتحاد مسارات الاشعه الصادره من حدقه عين الشمس والمنعكسه علي واجهه الهرم في ذات الاتجاه نحوها الذي يتيح للناظر في ذلك اليوم قديما رويه حزمه ضوئيه قويه تستمر لحظات متبادله الاتجاه بين الشمس في سمائها واهراماتها الارضيه, ومن خلال هذا التواصل تقدم مصر نفسها كقربان مقدس للشمس علي مذبح الواجهه الهرميه كتصوير تجريدي مبسط لنيلها وارضها حيث يسقط شعاع الشمس علي واجهه الهرم التي تحمل شكل خريطه مصر المجرده ويرتد مشبعا وقابضا لقربانه الثمين ليحفظه في عينه وليباشره بشعاعه ويكون المردود علي تلك التضحيه العظيمه في زعمهم جريان نيلها وكفايه فيضه ونمو خيراته ثم يعقب ذلك ان يرد فرعون الذي حل برع كذات واحده تلك الخيرات والمحاصيل الي اهل مصر ثانيه كعطيه منه تظهر في تلك الحقول المخضره والاشجار المثمره, ان هذا التواصل العقائدي يكون فيه الصرح الهرمي هو الوسيط والمعبد والمذبح لقربان عظيم تكون مصر كلها موضوع هذه التضحيه.
ويقول برستيد في فجر الضمير ولعل ادق قطعه ادبيه حفظت لنا في متون الاهرام هي انشوده الشمس التي تجد فيها الملك والمعبود الشمسي نفسا واحده, وهذه الانشوده تخاطب مصر باسهاب معدده لها المنافع التي تتمتع بها في كنف حمايه الهي الشمس وسيادته ومن ثم تقدم مصر لرع ثروتها ومحصولها, ولما كان فرعون واله الشمس نفسا واحده كان فرعون يهب تلك المنافع لمصر, وهي من جانبها تقدم له نفس العطايا التي تقدمها لاله الشمس.
فلاعجب ان يحرص سكان مصر منذ القدم علي الخروج في هذا اليوم قبل شروق الشمس الي الاماكن المفتوحه متعرضين لاشعاع الشمس فانها في هذا اليوم قد قبلت القربان ووزعت العطايا وهبطت كحلول ارضي في عقيدتهم يسبقها في ذلك رائحه الاله الذي حدثنا عنه ديمتري ميكس في كتابه القيم الحياه اليوميه للالهه الفرعونيه اذ يذكر ان هذه الرائحه تتقدم المعبود, وتنبئ عن وجوده اذا حل.
وسيستمر ذلك اليوم الضارب في اعماق الزمان عيدا مظهريا ببهجته الطفوليه ونزهته الخلويه, يصعب تنحيته او الحط من قدره, فلقد قدر له ان يستمر طوال ازمان مضت ويصل اليها من خلال تخليه رويدا رويدا عن جوهره العقائدي البائد ليكتفي بمظهره الاحتفالي الحديث, ولكنه يابي مع ذلك ان يتخلي عن اجل رموزه الا وهما البيضه والسمكه, واسمه المعبق برائحه الشمس المتجسده التي تنبئ عن حلولها الارضي القديم.. ولعله نسيم ذلك اليوم.