أخي درهم الجباري:
استجابة لطلبك أقدم لك لوحة أخرى من عملي بعدما قرأت اللوحة الخاصة بموضوع "وصف دكان في "حي السويقة"". استسمح إن كان الفن يملي عليك لغة قد ينظر إليها غير الداركين لأمور الفن، بأنها خارج الأخلاق، والتقاليد والأعراف، إنني اعتذر إن كان النص لا يروق لأطفال دون سن العاشرة.وأحذر الأباء من عدم ترك الأبناء أمام الشاشة أثناء عرض هذا الشريط من لحظة الوصف للواقع الإنساني البائس. مع ودي وتقديري.
لم تكن زائرتي ممن يحبون إسناد ظهورهم إلى الحائط مثلي ..نحيفة من شدة الحركة..ليست كسائر نساء البلدة..تحمل همهن جميعا كما يحمل عقلها النشيط حصاد الأزمنة الموبوءة..تبدو لبياض شعرها قد تجاوزت الثلاثين، ما يجعلها شابة لباسها الأوروبي، ودماغها الذي تشكل أيام الجامعة بلغات أهل الأرض جميعا..هي رغم ذلك لاترطن بما تعرف كما يفعل زوجها الذي يحب أن ينخرط معك في حوار جوال حول كل ما ظهر من علوم الأرض وما بطن..إنك لشدة اندهاشك من غزارة علمه تستسلم إلى الإنصات، وهو من شدة معرفته بمدى تأثير حديثه على المتلقي يتمادى في الكلام حتى إذا لم يجد ما يقول في العلم ينزلق بك للحديث عن ذكرياته بالحانات، وقد يزوغ بك الظن فلا تشك إطلاقا في ذكائه وسرعة بديهته، أما هي فلا يسخن لسانها إلا عند خروجه، عندئذ تصيح في وجهي قائلة:" الرجل في الدار كالدمامل في الظهر".
لن أكون مغالية في اعتقادي بأنها تزورني رغبة في الهروب من ذكاء وغزارة علم زوجها، مثلها والله أعلم مثل الرجال الذين يكرهون اعتزاز النساء بذكائهن، ويفضلون الغباوة التي تخدم مصالحهم. إن كثرة العلم وفيضان الذكاء يورث لبعض الأزواج عدم الاستقرار، قد يصل الأمر في حالات قصوى إلى الاشمئزاز والتضايق..خاصة إذا كان العلم جافا لاتحيط به بساتين الروح، ولا تعانقه أغصان التعاطف، يخدمه الجسد، جسد الزوجة.
كان هذا الزوج، زوج صديقتي، يخرجني عن طوري كلما دخلت عتبة منزله، فهو في الحقيقة يظهر لأول مرة رجلا منصفا، بشوشا، متضامنا إلى أقصى حد، متعاونا، يظهر للعيان رجلا عصريا يهب واقفا لاستقبالك بابتسامته المعهودة، التي تبدي عن فم غادرته الأسنان الخلفية من كثرة ما مضغ من كلام، وما رشف من مختلف أصناف التبغ، وما تناول من مسكرات.أما جلد وجهه فقد التصق بالمواقع الشاغرة من فمه، ولست بحاجة إلى أن أصف لكم شكله فهو أقصر من القصر، أنحف من النحافة، أهزل من الهزال.لحم جسده تقلص والتصق بالعظام، فلم يعد اللباس يجد مكانا له على هيكله، الشبيه بهيكل شيخ ميت، كان هيكلا لكن بقدمي آلة حديد شديدة الحركة. لن أبالغ فكل ما يملك من لطف ومن لسان مهذار مكتسب من هذه الأوصاف التي تميز جسده، كان من تلك الفئة التي تتقاضى عن لسانها أجرا، وهذه الطبقة من المتعلمين، أغلبها يشتغل لسانها بالكلام بقدر ما تشتغل أيديها بفروج النساء، لا تعتقدوا أن أمثالها قادرة على تقديم السعادة للزوجة، خاصة الزوجة المتعلمة..
[img]C:\Documents and Settings\K@ReeM\Mes documents\Mes images[/img]