أكمل بحول الله ما بدأناه .. في تناول مقالة د. سلطان الحريري
قلنا أن الشعر كان عند العرب افصح اللفظ عموما و ابلغ المعنى و أجمل المبنى .. هذا على عمومه . و لذلك اسباب . سنذكرها في ثنايا الموضوع .
* و لمّا كان النبي صلى الله عليه و سلم أميا " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب .." . ذلك حتى ينفي عنه شبهة الفلسفات و يثبت له الفضل أنّ الله تولّى تعليمه ليعلّم الناس . نعم فضل .. فإحدى أشرف صيغ الصلوات على النبي صلى الله عليه و سلم " اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي " . قال تعالى (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي... ) .
** و أما كونه صلىّ الله عليه و سلم لا يقول الشعر و ما ينبغي له .. ذلك اختصاص آخر من جنس الأول . ليثبت الله له الوحي و النبوة و الاعجاز معا .
فمن نقلك عن عيسى الوزير .. جاء :
يا سيدي ..عيسى الوزير لم ينصف الشعر إطلاقا .. و ان نقل عنه بعض الحقيقة . فالشعر لفظه مشتق من الشعور .. فهو حقا ينبع من الاحساس و الشعور .. و يتدفق من أنا صاحبه . لكنني أختلف معه أنه لا يأتي من العقل . لأن شعر الحكمة بهر الالباب في حكمته و قوة منطقه . و ذاك من العقل .المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سلطان الحريري
قلت و لأنه يتدفق و يمتزج بأنا صحابه فلا ينفك عنها .. كان النبي صلى الله عليه و سلم منزها عنه حتى لا يرتاب الناس من أنّ ما يتنزّل عليه وحي لا ريب فيه . مصدره من الخارج و ليس ذاتي . كلام ليس بشعر و ليس بنثر اعتاده العرب . و لكن وقعه يوحي بالقوة و الاعجاز و البلاغة و الثقل " إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا ".
و أضيف أنّ ما عابه الوزير في الشعر هو مصدر قوته و تقوّقه على النثر عموما . فحاز القمّة . ذلك أنّ الشعر يمتزج بأحاسيس صاحبه فيخرج ساخن الاثر قويّ الوقع بليغ القول فريد النسج .. بكر المعنى و جزل المبنى .
نعم فالشعر يستمدّ قوته من ذات صاحبه الشاعر .. و لأنّه شاعر فموهبته تنطلق لتجمع من الكلمات بيانا جميلا ساحرا باهرا . القافية و القالب و الموهبة التي تصنع الجرس توجب للكلام الذي هو شعر أن يخرج قويا بليغا بكرا .
فكان الشعر على عمومه ابلغ . ألا ترى أن بناء الشعر يقضي غزارة الخيال و حسن الجرس و قوة اللفظ و تجديد الفكرة و النسج . كلّ ذلك يتجددّ مع كل شاعر .. بل مع كل قصيدة للشاعر و مع كل بيت .
بل أضيف أن الشاعر من دون الناس كان فنانا .. يعبرّ عمّا يجول بداخله و داخلهم بقوة معنى و جمال افصاح و حرارة حسّ .
و ارجع لكون الرسول صلى الله عليه و سلم لا يقول الشعر اعجازا .لأصيف لما سبق :
فالعرب الذين جعلوا من الشعر بقريحتهم و سليقتهم أبلغ القول و أجمله فجعلوا منه المعلقات .. نعم معلقات . ترى لماذا لم تكن المعلقات إلاّ شعرا ؟؟؟
جاء القرآن معجزا لهم أن الكلام الذي يأتي به سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليس شعرا و لكنه أشدّ جمالا و احسن بيانا . ليعلموا أن هذا الكلام ما ينبغي لبشر . وهم يدركون مدى اعجاز القرآن في سحره و بلاغته .
فالشعر فرع لكنّه أجمل فروع النثر و أبلغها على العموم و كان الشاعر ناثرا بل و ناثرا بليغا و أديبا نجيبا . لأنّه لا يعالج الشعر إلاّ من ملك ناصية الأدب إن صح التعبير .. ملك قوة اللفظ و جمال الصياغة و حسن التعبير و سعة الخيال و روعة الاسلوب .
و الشعر ابن للنثر لكنّه فاقه حسنا و بيانا .. و حسّا و جمالا .
و الشعر و النثر كوسائل النقل و السفر .. تعددّت بين أنعام و سيارات و بواخر و طائرات .. لكنّها اختلفت في جودتها و سرعتها .
أظنني وضعت بعض ما نتفق عليه و ما نختلف فيه .
و للمنصف أن يحكم . بل و لكل وجهة هو موليها .
أن ندافع عن الشعر لا يعني أنّنا لا نحبّ النثر .. بل نحبّه و نحسنه ان شاء الله .
و لكنها نظرة للأمور بزاوية قد لا يراها الغير ..
و ان شاء الله ستكون لنا عودات ..
للشعراء الملهمين تحية .. و لأهل النثر تحية أخرى ملؤها الحبّ و الاحترام .