الرافض
كلما أنصت للقرآن امتلأ قلبه بالنور وبكى بمرارة حين تذكره آيات سورة النور بأن ماحصل له من شر هو بالأصل خير له وفير .. وتذكر تلك الساعة التي ألقت عليه قوات التحالف القبض وهو متجاوز لساعة حظر التجوال ولم ينفع وقتها قسمه لهم أن سيارته التي تعطلت هي من أعاقت وصوله الى داره .. لقد أودعوه السجن وتنقلت أوراق اعتقاله وقد كـُتب في أول سطورها ( إرهابي كان يعد سيارته للتفجير خارج أوقات حظر التجوال ) .
لذلك تخلى عنه كل أحبابه فوجد نفسه لأول مرة في التجاء الى خالقه وقد فوض أمره اليه فخرج من معايير الالتصاق بحدود الزمان والمكان وتوحد قلبه مع تقلبات القلوب بأذن خالقها منصاعا" لحكمته جل في علاه .. فأتمم من الأمن ماأثلج صدره وجعله يدهش جميع من سكن السجن بلسانه الذي بدأ ينطق بألوان اليقين وهو يطلق قذائف الحق .. ينصت إليه باهتمام ضباط السجن، وهو يحدثهم عن فلسفة التفرعن، كما التف حوله السجناء وهو يبشرهم عن فقه الفرج .. كأنه كان يقرأ من كتاب حروفه من كبد يلوك لهم المعاني فيصلهم منها الشفاء .
وحين ذاع صيته وأ َمِـن َ له كل من عرفه، صار يوقظ السجان والمسجون ليتموا صِلاتهَم وصلواتهم مع الله ، يشرف على إطعامهم بعد أن يتأكد أنه جاء من مسالك ترضي الله ، يهتم بنظافة قلوب من حوله فيجعلهم يغتسلون من أدران القسوة والهوى في اليوم خمس مرات. صارت مملكته في الزنزانة تذكرنا بعصر الوحي حين كان ينقل حقيقة الوجود من أمين السماء الى أمين الارض .
بعد أقل من سنة شعر القضاة ببراءته فكتبوا فوق صحيفته .. أمرا" بإطلاق سراحه ، كتب اليهم يشكر لهم صنيعهم رافضا" نسيانهم لملايين المسجونين
مذكرا" إياهم بسورة النور التي قلبت محاور وجوده حرا" في سجون قوات الاحتلال
وماهي إلا سنة أخرى حتى تحررالقضاة أنفسهم من سجن غلهم القابع في صدورهم، بعد أن أدمنوا التدبرمن كتبه .. وقرأوا أبجدية النور .