مالك ...... نبي ؟؟؟
مرحبا.....
ربما تبادر إلى ذهن القاريء عند قراءة العنوان أن حديثنا سيكون عن مالك .... خازن النار .. أجارنا الله منها .. ونبي من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام
ربما ولكنني عنيت بهذا العنوان أمرا آخر
في إحدى مقالات الفاضل الأستاذ الكريم المبجل محمد الشاويش .. ذكر مخاطبا إياي { وجودت سعيد يسير على نهج المفكر الإسلامي مالك بن نبي وأجد بن نبي رحمه الله مغبوناً في عصرنا فهل لك أن تقرئي علينا من سلسلته الراقية "مشكلات الحضارة"؟
هو اقتراح من أخيك أرجو أن يصادف منك قبولاً ولو أنه سيكلفك بعضاً من وقتك الثمين جعله الله في سجل حسناتك }
ومع مثل من هم في فضل الأستاذ محمد الشاويش لايملك أحدنا إلا أن يستجيب
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مالك بن نبي ... هو فيلسوف مسلم جزائري .. اهتم بالفلسفة بمفهومها العميق وليس السطحي المتعارف عليه بين عوام الناس في عصرنا الحاضر .. فاالفلسفة كما هو معلوم كلمة إغريقية مكونة من شقين هما philo وتعني حب .. وsophy.. وتعني الحكمة .. أي أن الكلمة تعني حب الحكمة , والحكمة في شرعنا هي ( ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها ).. وهي التي أثنى الله تعالى على صاحبها بقوله ( ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).. ولقد آتى الله الرجل منها الشيء الكثير ..
ولد حكيمنا المفكر بن نبي في عام 1905م في مدينة قسنطينة في الجزائر , ثم انتقل بعد إنهاء دراسته الثانوية إلى باريس حيث تخرج عام 1935م مهندسا كهربائيا , ولقد كان لدراسته ذات الأبعاد الرياضية علاقة بمنهجه الكتابي... فقد اتجه نحو تحليل الأحداث التي تحيط به وقد أعطته ثقافته المنهجية قدرة على إبراز مشكلة العالم المتخلف باعتبارها قضية حضارة أولا .. وقبل كل شيء فوضع كتبه جميعها تحت عنوان " مشكلات الحضارة"
يحكي رحمه الله تعالى عن نفسه فيقول .. كان مولدي في الجزائر عام 1905 ..أي زمن كان يمكن فيه االاتصال بالماضي عن طريق آخر من بقي حيا من شهوده والإطلال على المستقبل عبر االأوائل من رواده...
فاستطاع أن يبين الفرق بين تغيرات المجتمع في فترات وتأثير تلك التغيرات على الأفراد والهيئة الاجتماعية بصفة عامة , خاصة أن الرجل من المؤمنين بأن التغيير صفة اجتماعية وليست فردية!
يذكر عمر مسقاوي ..في تعليقه على مقدمة كتابه الذي اسماه " مذكرات شاهد قرن" ... إن مالك بن نبي يتحدث إلينا خلف ستار وهو يحاول أن ينقل إلينا تبصرة بالأحداث وماهذه التفاصيل التي يقصها علينا إلا ليجسد رؤيته الفكرية عبرها ... فشاهدنا شاهد بصر وبصيرة معا!
ويرى أن أجيال الحضارة تتناقل دائما رسالة سرية ذات رموز , ويحق لكل جيل أن يقرأ هذه الرسالة قراءة تختلف عن الجيل السابق لأن لكل جيل مصطلحا خاصا به يفك رموز تلك الرسالة .. وكأنما يريد أن يمنحنا من جديد رموز هذه الرسالة , بعد أن افتقدنا هذا المصطلح , وباتت رسالة حضارتنا رمز لانستطيع له إدراكا يلج في أعماق جيلنا المعاصر
مالك بن نبي .. يحدثنا عن حدود التلاقي بين حضارة مندفعة تجتاح ماأمامها , وحضارة أسلمت مقاليدها للتاريخ , وغدت أجيالها في مهب الريح!
والشهادة هذه ليست شهادة لمعاناة مجتمع مغلوب على أمره وهي ليست شهادة على مجتمع لايدرك لدفاعه فعالية الوسائل فحسب, بل إنها أيضا شهادة على ماأرست حضارة الغرب الحديثة من مصطلحات ومفاهيم ومنجزات تزري بمسيرة الإنسانية وهي تنشر ثقافتها وجيوشها
مالك بن نبي .. يروي أدق التفاصيل عن إبراز القيم الأساسية التي مايزال يحتفظ بها رجل الفطرة وقد ورثها عن أجيال سابقة, وفي نفس الوقت يطرح أمامنا تهافت مثقفينا الذين انغمسوا في الثقافة الغربية ومصطلحاتها وواقعها , فانقلبوا في حركتهم التقدمية إلى الوراء واتخذوا من " السياسة سبيلا إلى قيادة تسير نحو العدم " لأنهم افتقدوا في ذالك الصخب الذي عانته مجتمعاتنا الإسلامية منذ باية هذا القرن , سبل الفعالية في المبادرة والاتجاه , وهكذا فاتهم قطار التاريخ .. انتهى
يرى مالك بن نبي رحمه الله تعالى أن دراسة التاريخ هي الطريقة المثلى لحل مشكلاتنا ... ( قل سيروا في الأرض فانظروا"
وفي نظري .. أن أم مشكلاتنا مع مثقفي عصرناوأنصافهم وأرباعهم وعديميها ... أولئك المنبهرين المقلدين .. الذين يرونها أعني الثقافة منحصرة في القشور المرتبطة بالإفرازات المادية للحضارة بعيدا عن لبها وجوهرها.. هو غياب الفهم الحضاري
ومعلوم أن هذه الدين هو دين حضارة والشاهد قوله تعالى { هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها }
والاستعمار من العمار وهو البناء والبناء يعني الاستقرار ضد الترحال ... يعني المدنية .. والمدنية حضارة .. هذه ماأراده الله تعالى من أرسال الرسل , ووضع القوانين والأسس التي ينبغي أن يسير عليها باغي الحضارة وهي في ديننا ثلاثية الأبعاد , عقيدة , أخلاق , وتشريع
إن مالك بن نبي رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى لم يكن يحمل في جميع كتاباته إلا هاجسا واحدا .. وهو هاجس الحضارة ومشكلاتها التي اشتغل به طوال حياته
أحبتي ..
عذرا .. لكنني أحببت أن ألقي الضوء على بعض جوانب الرجل قبل أن أبدأ في طرح بعض المقالات عن اهتماماته الحضارية في تغيير المجتمع
لكم احترامي