كان الظل يزداد طولا"..بينما الشمس تحاول الهروب من المكان..كانت تمد أشعة واهية
أرهقتها كثرة الدوران..وكان الأفق يبدو بعيدا" بعد الأبد..كل شىء يوحى بالزوال ..بالنهاية
وخطت هى خطوات متثاقلة فوق هذه المشاعر..تلوذ بالصمت ..أو يلوذ بها ..انها لا تدرى
انها فقط تحيا..تتخذ من حبات الأيام عقدا" طويلا" بلا نهاية..عقدا" تكرهه وتلقى به فى
أقصى ركن كلما زادت حباته..ظلت تسير بهدوء..عبر هذا الممر الذى تحفه النباتات..
وهى تأخذ طريقها المعتاد كل يوم..لتلقى تحية المساء على زهرتها الجميلة..دوار الشمس
التى كادت أن تغلق أوراقها وهى تتجه الى الشمس وكأنها تعاتبها على الرحيل..
لامست أناملها الأوراق الناعمة..كأنها تصافح صديقا" عزيزا"..كأنها تطبع قبلة المساء
على وجه طفل جميل..أغمضت عينيها..و تركت الذكرى تقتحمها..وتعبث بكيانها..
تراءى لها وجه طفلها الوحيد..ها هو يركض..بل يحاول الركض بين الورود..كان يقع كثيرا"
فقد كانت خطواته الأولى..تذكرته وهو يقطف وردة لم تتفتح بعد..وعندما صاحت به..
التفت اليها وأعطاها اياها..وابتسامة جميلة تضىء وجهه..تذكرت..كيف احتضنته..ضمته
اليها و كأنها تريد أن تزرعه بقلبها..وكان يدع نفسه لها لتمتلىء منه..ثم تدعه ثانية..
ليحاول الركض من جديد..
ها هو يستلقى فى فراشه..يتشبث بها وهى تهدهده..وكفه الصغير تستكين بين يديها
وهى تغنى له أغنيته المفضلة..حتى تغمض جفونه..ويصير كالملاك..
ها هو يعبث بأشيائها..وتفاجئه..فتجده مرتديا"حليها..وتملأوجهه ابتسامة كأنها الاعتذار
وتجلس لتحادثه..وكأنها تحادث رجلا" كبيرا"..وترن أصداء ضحكاته فتملأ المكان..
والآن ..انها ترقد بجواره..أنفاسه تخرج بصعوبه..وجهه الشاحب يملؤه العرق..كفه يرقد
بين يديها ..كعادته..انها تشعر به يفارقها..ولا تستطيع استبقاؤه..انه يخرج منها..بينما
ابتسامته الجميلة تضىء وجهه..
هزتها ريح خفيفة.. وأفاقت لتجد ظلا ما" يصدم عينيها..وجدت ذراعيها تلتفان حول جسدها
تحتضنان خيالا" وذكرى..واستدارت عائدة..وهى تغنى للورود النائمة..أغنيتها المفضلة..