إذا كان الكلامُ من فضةٍ فالسكوتُ من ذهب .
قالتها بثقةٍ ، وكأنها تتلو آيةً من الذكر الحكيم ، أو حديثاً شريفاً ، كعادتها في كل مرةٍ تستَشهدُ فيها بمَثَلٍ مأثــور . وما أكثرَ الامثلةِ في مخزون ذاكرتها .. إنها أكثرُ من مخزون الشعر في ذاكرة المتنبي .
حاولتُ مراراً إثبات زيف هذه الاقاويل لأنها من صنع البشر ، ولا تصلح إلا للاستهلاك المعنوي حيال التبرير لموقفٍ أو مواساةٍ لمُـصاب . وفي هذه المرة قررت أن أحتسي كأساً من الجَدَل مع معتقدها الفطري فقلت :
ولكن مثلاً آخر يقول : الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس .
أضافت معترضةً : عن الحق ! .
وشعرتُ بأن سلاحي هذا ليس ماضياً .. وانتظرتُ حتى قالت :
خذ المثل القائل : في العجلة الندامة وفي التأني السلامه .
شعرتُ بأنها فرصةٌ سانحةٌ لاقول :
لكن الوقتُ كالسيف إن لم تقطعهُ قطعك . ألا تلمسين التناقض في الامثلة ؟ .
تلكأتْ قليلاً فشعرتُ أن باستطاعتي زعزعة ثقتهَا المُطلَقةِ بحُرمة الامثال ، وحتى لا أضيع فرصةً أردفتُ مبيناً :
وحتى المثل الذي ترددينهُ كثيراً .. ادّخر قرشك الابيض
قاطعتني : ليومك الاسود .
قلتُ نعم .. هناك مثلٌ آخر يقول : انفق ما في الجيب ..
قاطعتني : يأتيك ما في الغيب .
قلتُ : إذاً قولان متناقضان .
قالت : إلى أين تريد أن تصل ؟
قلتُ : إلى أن الكتابَ والسُّنةَ يغنيان عن أقاويلكِ هذه جميعها ، وما سواهما لا يصلح للإعتقاد به حُكماً مُطلقاً .
ومن يومها لم تعُد تقارع إلا بما أوحى الله به إلى رسوله وفيه الحكمة كاملة :
" هوَ الذي بَعَثَ في الأُمّيينَ رَسولاً مِنْهُمْ يَتْلو علَيْهِم آيآتِهِ وَيُزَكّيْهِم وَيُعَلّمهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ وإنْ كانُوأ مِنْ قَبْلُ لَفِي ضلالٍ مُبيْن " .
صدق الله العظيم