الحياة مستمرة في الشعب، الشعب يأكل يشرب وينام، هذا حال الشعب الذي يوجد خارج المعركة ولا ترشقه شظايا من الأسلحة الفوسفورية ووابل من القنابل العنقودية، الشعب يأكل يشرب ينام، هذا حال من جاءت السفن الحربية لتأخذه إلى حيث الآمان الذي وفرته له بلده منذ تلك الهجمة الشرسة على العراق، أي في حرب الخليج الثانية.
ماذا حدث بعد هذه الحرب؟ يمكن للمتتبع أن يلاحظ وبالخصوص في فرنسا قيام هذه الأخيرة بشن حرب على المدارس، ومنع الفتيات المتحجبات من إرتداء الحجاب، ثم تلتها قضية مراجعة العلاقة مع المساجد إذ هددت بعض الأئمة بالطرد والإجلاء. وسبق ذلك قيام المخابرات الصهيونية بحرق و الإعتداء على دور العبادة الصهيونية، وقيام الصحافة الداخلية بواسطة الفرنسيين الصهيونيين ذوي الانوف الطويلة الذين عاشوا في فرنسا، بعد هروبهم من ألمانيا النازية باستغلال برامج تلفزية سواء تلك التي تستثمر في التنشيط السافل أو تلك التي تخص الثقافة السينمائية، أو غيرها قيامها بممارسة تأثيرها على الرأي العام الفرنسي.
ونحن نعلم أنه تم تحويل الرأي الفرنسي من مساندة الفلسطينيين إلى الإنخراط في رفض الإرهاب وكراهية أهل الحجاب واللحي.
لهذا لا نجد اليوم من يعلن صوته عاليا من أجل مساندة الكفاح الفلسطيني وحتى اللحظة وبعد قصف لبنان وتدميرها لا نجد من حاول الخروج لاستنكار هذا الفعل الإجرامي.
ستلاحظون أن القضية الرئيسية المطروحة والتي تسمح الصحافة الغربية بإبرازها هي اعتصام بعض اللبنانيين الذين وقفوا لاستنكار ما يقع على بلدهم. ولكن هذا الإظهار لا يتعدى تمريره في نشرة أخبار سريعة، هذا الامر لم يكن يحدث من قبل وما نلاحظه أيضا ان التلفزيونات العربية غير منشغلة بهذا الشأن وإن كان لها انشغال بذلك فيكون مماثلا لطريقة انشغال الصحافة الغربية بالامر.
لكن ما يوجع أن اللبنانيين الواقعين تحت القصف شاهدوا ما يقع تحت نظرهم من نقل الجاليات المقيمة بلبنان وترحيلها إلى بلدها خوفا عليها من خطر القصف الصهيوني، وفي نفس الوقت شاهدت تلك الجاليات الرعب الذي يعاني منه أهل لبنان، وفي المطارات التي استقبلتها لم تنطق تلك الجاليات بشكل صريح عما يجري في لبنان، بل تكلم بعضها معلقا على الأحداث المرعبة وكأنه خرج للتو من مشاهدة فيلم سينمائي عن الحرب.
ألم يكن من واجب تلك الجاليات أن تتضامن مع البشر والحجر والنبات والحيوان الذي كان يدمر على مرآى ومشهد منها؟ ألم يكن من الواجب الإنساني رفض ركوب تلك السفن والحافلات التي نقلتها بسلام إلى بلدها؟ ألم يكن من واجبها تنظيم وقفة احتجاج ضد ما يجري من طغيان وظلم صهيوني قبل أن تضع قدمها فوق مركب الامان؟
وشاهدوا اليوم في الصحافة الغربية والعربية، إنها لا تنقل ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية، وكأن الأهمية أصبحت تخص لبنان ولبنان وحده فقط لأنه بالنسبة للغربيين يرتبطون به بعلاقة ما عاطفية خاصة.
لقد أوقف العدوان الصهيوني قصفه ليسمح للجاليات الأمريكية والاوروبية بمغادرة لبنان. ولكنه بمجرد ما رحلت السفن استمر في القصف. هكذا نفهم أن أوروبا أو امريكا الصهيونية إذا شاءت ان توقف الحرب فبامكانها ذلك ما دامت كانت قادرة على ترحيل جالياتها بسلام.