ها أنا أدخل لأول مرة في هذا الصرح المميز بقصة من نوع القصير وذات الشكل الكلاسيكي ، أرجو من المتدخلين هنا الإسهام بتسليط شىء من النقد ليتضح الطريق وشكرا ..
----------------------------------------------
البحث عن الظل
على واجهة طاولة كادت تتفكك جراء تآكل خشبها, علق شاب ذو الثلاثين سنة من عمره: صورة كبيرة من نوع" البوستير" عليها أربع صور لمغنين تعدت شهرتهم حدود أوطانهم . كل واحد من هؤلاء المطربين تطبع محياه إبتسامة عريضة و يبدو في أناقة تدل على بذخ الحياة و ترفها.
بصعوبة كبيرة و تحت لهيب شمس "آوت" , يدفع الشاب طاولته ذات العجلات الصغيرة المعوجة .. من جهة لأخرى بحثا عن شجرة يستقر تحت ظلها, كلما وقع بصره على مكان يراه مناسبا إلا و وجده من محتلا من قبل شخص آخر جالس قبالة طاولة قد ألصق عليها هو الآخر "بوستيرا" للاعب كرة قدم مشهور أو لنجم تلفزيوني معروف.
لما يتعب من جرجرة طاولته التي تحوي بعض أنواع السجائر المحلي منها و المستورد إلى جانب "الشمة" , يستقر بها جنب حائط يائسا .. إذا ما دنوت منه اكتشفت وجها شاحبا خال من نضرة الشباب و حيويتهم.
أبوه كان يعمل في شركة تجارية, لكن لما هبت رياح التغيير عصفت, فتقطعت به السبل حين سرح من العمل بسبب الخوصصة مقابل تعويض سرعان ما نفذ فتحول إلى إنسان معدم يدفع بأبنائه ليعملوا أي شيء, المهم أن يؤمنوا له القوت... كان يلقب بـ" موسطاش" عندما كان يعمل بائعا بالأروقة . محظوظ من كانت له علاقة صداقة مع سي موسطاش أو علاقة قرابة أوعلاقة جوار... الكل كان يتقرب منه ,لأن في تلك الحقبة من الزمن شهد البلد ندرة حادة في السلع و أيامها أضحت الطوابير من يوميات السكان, فكان صاحبنا يقتني قدر ما استطاع من البضاعة ليهربها إلى بيته حيث يعيد بيعها بأسعار مضاعفة ...
يستمر الشاب في ترحاله بحثا عن الظل جنب الجدران و هو يرنو على المارين علهم يتفضلون بشراء شيء من معروضاته .. أخيرا بعدما يأخذ الجوع و العطش مأخذا يقرر الإنسحاب ليعود منكسرا إلى ما يسمى بيته .. بهذه الوتيرة تمر الأيام متداولة عليه و معه رفاقه على البوستير الذين يغدون كل صباح و يعودون كل مساء على متن طاولته العرجاء وابتساماتهم لا تكاد تبرح شفاههم .