عمليا من غير الممكن للأستاذ أن يوجه كلّ اهتمامه لتلميذ واحد فقط!!
إنّ لدى كل أســتاذ رغبة ما في النظر ومسـاعدة طفل محدد لما هو الأفضل له (أيّ للطفل) لكن حتّى لا تبدأ المتاعب في الصف يبتعد الأســتاذ عن تلك الفكرة, وهذا طبعا لا يعني أنّ الأسـتاذ لايهتمّ لتلاميذه كلّ على حدة.
قد تظهر له حالة ما لأحد التلاميذ وعليه أن يسـأل ذوي الخبرة.
عليه أن يستمع مثلا للطبيب حين يتحدّث عن حالة الخجل أو الرهاب (فوبيا) حتّى وإن لم يكن هناك جواب مباشــر ودقيق, إلاّ أنّ التفهم للموضـوع قد يؤدّي إلى إزاحة جزء ولو صغير من القلق ويسـهل عليه التقرّب أكثر من الطفل.
شــيء واحد يفعله الطبيب ومن الممكن جدّا للأســتاذ أن يفعله ويســتفيد منه كثيرا ألا وهو الاتصال بالأهل (أهل التلميذ) ومن خلالهم يجمع قدرا كبيرا من المعلومات عن المراحل الّتي مر بها الطفل والّتي لازال يمرّ بها وعليها (أي المعلومات) يقدر الأســتاذ أن يبني صـورة عن الحالة الّتي يمرّ بها الطفل ولو كانت صـورة مصــغّرة, عن حالته في البيت والخارج, عن تصـرّفاته مع الجميع الّذين هم على احتكاك بهذا الطفل.
حالات توتّر وخجل الأطفال
حالتان ليـس من السهل علينا أن نقول أنهما حالتان بسـيطتان, في معظم الحالات قد لا نجد لها شـروط وجودها وعلاجها.
لذلك على الأسـتاذ أن يبقى في حالة ترقّب دائم وبحث مسـتمرّ عن ما قد يكون السبب حتّى لا تفوته فرصة اكتشـاف خيط من خيوط الحالة النفسيّة للطفل.
لعلّي هنا أذكر حالة من الحالات التّي مرّت بي:
الحالة لطفلة ذات ذكاء شـديد عمرها 12 سنة من المجتهدات جدّا في كلّ شـيء دراستها نشاطاتها وعلاقاتها مع عالمها , بدأت ملامح التوتّر في المدرسـة تظهر عليها واضـحة, وفي البيت بدأت(تبوّل) أثناء نومها في فراشها!!
بطبيعة الحال ... لم يفهم أحد ما من الذّين حولها أنّها كانت تعيش حالة حزن عميقة لوفاة أخوها الصغير. تمّ إدخاله إلى المشفى في حالة حمّى شـديدة والتهابات في الجسم اتضح فيما بعد أنّه كان يعاني من (توبركولوسيس) tuberculosis ضمور وعجز في مفاصل الفخذ انتشر في كامل جسم الطفل مما أدّى إلى وفاته.
منذ مرض الطفل وحتّى وفاته لم تشـعر الطفلة بضـرورة الحزن !!
لكن الحزن كان هناك وينتظر منها قبوله!!
سألتها ذات مرّة : أنت كنت تحبّين أخوك أليس كذلك؟؟
سؤالي هذا أدّى إلى فقدانها للسيطرة على نفسـها ودموعها فانهالت في البكاء.
النتيجة أنها عادت إلى طبيعتها فيما بعد. تلك الحالة طبعا لا تظهر كلّ يوم , لكن المدهش أنّ الأسـتاذ أو الدكتور قد يكونوا بلا حول ولا قوّة إذا لم تتح لهم فرصة الحصول على معلومات من الأهل عن خلفيّة الحدث والأحداث التّي مر بها الطفل.
ويجب على الأهل مساعدة أنفسهم في كشف الأسباب وراء توتّر وخجل أولادهم وذلك من خلال الزيارات الدائمة للمدرسة والحديث مع المعلّمين عن أوضاع وأحوال أولادهم.. بتلك الحالة يمدّون يد العون لأنفسهم أولا وأبنائهم وثانيا للمعلم والطبيب والمجتمع.
معظم الأطفال الذين تظهر عليهم حالات التّوتّر يمشون في طريقهم وهم يتوّهمون أنّ أحد ما يطاردهم!! وفعلا أغلبيّة هؤلاء الأطفال يصبحون مطاردين!! لأنّهم بتصرّفهم هذا يفتحون باب المشاكسة مع التلاميذ الآخرين وهم بتلك الحالة يفتحون المجال لرفاقهم بإهانتهم.
ما أردت قوله هنا .
أنّه من الضروري جدّا أن يكون لدى المعلّم معلومات شبه كاملة عن حياة وتصرّفات أيّ طفل يشكّ بإصابته بحالات التّوتّر والخجل, وبناء عليه يستطيع الأســتاذ وبمسـاعدة الأهل تقييم حالة الطفل ومسـاعدته للخروج من تلك الحالة.
جزء من دراســـة لي في الطبّ النفســي باللغة الســويديّة.
هشام الخطيب
المرجع العلمي المعتمد
الدكتور Donald W Winnicott