إنتقال الفاعل، فاعل اللعبة اللغوية من فاعل يسند له الفعل، إلى فاعل متسائل عن الهوية، هو انتقال اصطدمت به الصخرة التي تحرص التقليد، كان انكسارها ضروريا، وكان ضروريا ظهور فاعل مجتهد، جريء، فاعل صهرته نار أقوى من حامية، يحمل القنديل ليسكن في النور، اعلى درجات النور، وعلى القمة، رأى صورته، صورة الإنسان كما التقطته خاطرة الجمال.. رأى صورة جميلة لرجل متواضع، صارم، مفرط في التأويل، مشاغب في حقل المحكم والمتشابه، لغته فواصلها التأتأة كلغة طفل لم تعرف الإنطلاق.. رأى صورة المارد الذي يتطاول، يلقي بالنار من فوق القمة، فيحرق العشيرة، يحرق الورقة التي كتب فيها " أنت مجبر" ..كان قدره مكتوبا في المرآة.. في المرآة شاهد نفسه يجادل، يحاور، يحاجج، لكن في جلباب محتشم، خجول، لا يجرؤ على الإنكشاف خوفا على نفسه من ظلم المقصلة.. رآى رجلا " ديكارتيا" سابقا على ديكارت، ممسكا بورقة كتب فيها " انا أفكر إذن أنا موجود".. كان يلوح بالورقة، يصفع بها صخرة التقليد العاتية. كان وحيدا وسط أصحاب النقل المحافظين، ولكي يضمن لنفسه الأمان سلم ولم يستسلم.. واصل الكلام فاختار لنفسه ما رآه محكما وألقى بالمتشابه في وجه الصراع.. رآى رجلا يولد من طفولة الصراع، رجلا رحالا، سكنه في الريح، قدمه فوق القمة، عيناه واسعتان، جبهته عريضة.. يقتات من البياض والسواد فوق حصير بيت الحكمة.. علق فوق الباب " لا يدخل من يجهل مبادئ الكلام".. رآه يصافح المأمون، يغازل أفلاطون، يشتهي أمه ويخشى من تقبيلها، كما يخشى عض يد أبيه.. رآى رجلا اختلى بنفسه فقرر ان يتصوف.. أكان الحب قد أعمى البصيرة، أم البصيرة اتقدت حبا؟
-يتبع-