الأمة - الأسمنتية –
لم يعد بمقدور أي فرد من أمتنا الاسلامية قدرة على تغيير فرد مثله ولكن يمكنه أن يغير - أمة – بأكملها بدليل أننا جميعا ً لانرضى بطريقة تفكير سوى طريقتنا ، ولكن من ناحية أخرى ننصاع الى التشكيل الاجتماعي الذي نحن جزء من نسيجه .
ولم تعد الأمة تمتلك مقومات إعادة صياغة قوالبها الفكرية سوى طريق واحد ولكنه مجهول عند أغلب أفراد الامة برغم كل الدعوات النهضوية والرؤى التجديدية لمفكريها .
إنها طريقة تثوير القيم والمثل القرآنية .. لاغير .
مايحصل في مدننا اليوم أن المصلح يأخذ المنهاج القرآني الى الناس ، والصحيح - عندي - هو أخذ الناس الى هذا المنهاج ، من حيث أن الناس قد تشكلوا - إجتماعيا ً - كما يتشكل الاسمنت بعد خلطه مع الرمل والحصو والماء وأخذ قالبه في بناء جسم الامة وقد أستعصى - المجتمع الاسمنتي - على إعادة التشكيل .
ورغم أن أمتنا ولله الحمد والمنة تمتلك القدرة البشرية وتمتلك الثروات الطبيعية وتمتلك الرغبة في الخروج من موقف - المنهزم – لكنها تكرر نفس الخطأ في كل مرة تحاول التغلب على معيقات النهوض حين تستلهم الطاقة الابداعية الكامنة في آيات القرآن وتوجيهات الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام في أول أجيالها الثلاثة من بدء الرسالة الاسلامية ونغفل أننا صرنا نعيش القرن الرابع الذي حدثنا عنه الرسول عليه الصلاة والسلام
( خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه )
ثم صارت مجتمعاتنا كما هو - السمنت – عصية على إعادة التشكل ليأتي أصحاب الفكر فيزيدوا الطين بلة فيصرون على ضخ كم مذهل من المواعظ القيمية ظنا ًُ منهم أن الموعظة وحدها والتذكير بها كفيلة بأعادة الصياغة ، والقرآن نبهنا وهو يصف لنا الطائفة حينما تتشكل إسمنتيا ً ( فإن رجعك الله الى طائفة منهم فأستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ً ولن تقاتلوا معي عدوا ً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فأقعدوا مع الخالفين ) التوبة 83 .
وأوصى الله تعالى رسوله أن يرفض خروج هؤلاء – المتشكلين – معه الى الحرب لانهم سيعيقون مقرراته في ساحة المعركة وربما صاروا عبأ على الامة وخطر عليها لايقل عن خطر العدو .
إن الناس اليوم بحاجة الى مساعدتهم في التخلص من الاطر الفكرية الفاسدة حينما تضعط عليهم كأعراف ومسلمات غير قابلة للتغير والنمذجة وفق المعايير القرآنية وحين لايكون للناس القدرة على الفكاك منها وكسر القيود التي أوقفت عملية التجديد الفكري وتأخير سياقاته وسقفه الزمني كما هو معلوم ( مئة عام ) يبعث الله فيها للأمة من يجدد أمر دينها .
علينا اليوم جميعا تقع مهمة نبيلة تتلخص في ربط برامج محاسبة النفس – على مستوى الفرد – مع مراجعة القوانين الاجتماعية التي تحكمنا – على مستوى الامة – في الوقت نفسه .
فلايكفي وصف الدواء القرآني بعد تشخيص أي مرض وهو متاح لكل قارىء بل المهم بمكان وصف طريقة تعاطي هذا الدواء – وبالتفصيل – ضمن برنامج مؤطر زمنيا ً ليتسنى للأصلاح أخذ دوره التطبيقي ومراجعته كل عام مرة أو مرتين كما نصت عليه آية سورة التوبة136
(أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لايتوبون ولاهم يذّكرون )
لقد نجح الرسول عليه الصلاة والسلام في اعادة تشكيل المجتمع فكان ( عزيزا عليه ) ماعنت الناس من حوله فلم يقابل سلوكهم هذا سوى بخلقه العظيم فهو حريص عليهم وهو الرؤوف وهو الرحيم صلى الله تعالى عليه وسلم وهي الطريقة الوحيدة التي يجب أن يتبعها مسلموا اليوم .