cc0000
هل يمكن للشعر أن يستنبت في أرحام مستعارة ؟؟؟ !!!
وهل يمكن للشعراء أن تنمو شخصياتهم الشـعرية في أرحام أدبية ذات أمشاج مختلطة ؟؟؟؟ !!!!
و هل يمكن أن يتحول الشعر إلى صَـناعة بفتح الصاد على حد قـول الناقد العربي ابن سلام ؟؟
في حوار مع صديقي الشاعر حاتم قاسـم تجاذبنا أطراف الحديث حول أحقية من يمكن أن يطلق عليه لقب شاعر بفعل نصه الحقيقي لا بـقوة المنابر التي بدأ يتسنمها الكثير ممن تسلبطوا على الشـعر فأتقنوا تأليف حروفه دون أن ينفذوا إلى أكسير الشعر الذي قلما تجده عند شــعراء عصرنا هؤلاء الذين استنبتوا أنفسهم في دوواوين الشعراء الآخرين و لم يستطيعوا أن يستقلوا بشخصياتهم الشعرية المتميزة على ألا نغفل أنه من حق الشاعر أن يتتلمذ على يد شاعر أعظم منه فيستوحي شخصيته إلى فترة ما ثم يعود فيبني عظامه من جديد و يستنبت ريشه بشكل مستقل ثم ينطلق باتجاه السماء الشعرية ليكون لنفسه فضاء شعرياً مستقلاً 0
قال لي صديقي الشاعر حاتم قاسم إن النابغة الذبياني شــاعر متميز لم يستنبت في رحم شعرية أخرى بنى شخصيته الشــعرية من خلال تعدد الثقافات الشعرية التي تلقاها عن سابقيه و أســــهمت بيئته في تكوين شخصيته الشعرية فكان وحيد عصره جمع ميزة النـقد إلى جانب موهبة الشعر فكان المحكم الوحيد بين الشعراء في سـوق عكاظ و هاك بعض النماذج من شعره التي ارتقت إلى مستوى تشكيل فضاء مســتقل يميز النابغة عن غيره من الشعراء :
أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني و تلكَ التي أهتمّ منها وأنصبُ
فبتُّ كأنّ العائداتِ فرشن لي هراساً، به يُعلى فِراشي ويُقْشَبُ
حَلَفْتُ، فلم أترُكْ لنَفسِكَ ريبَة ً، وليسَ وراءَ اللَّهِ للمَرْءِ مَذهَبُ
لئنْ كنتَ قد بُلغتَ عني وشايةً، لَمُبْلغُكَ الواشي أغَشُّ وأكذَبُ
و لكنني كنتُ امرأً ليَ جانبٌ منَ الأرضِ ، فيه مسترادٌ ومطلب
مُلوكٌ وإخوانٌ، إذا ما أتَيتُهُمْ، أحكمُ في أموالهمْ ، وأقربْ
كفعلكَ في قومٍ أراكَ اصطفيتهم ، فلم ترَهُمْ، في شكر ذلك، أذْنَبُوا
فلا تتركني بالوعيدِ ، كأنني إلى النّاسِ مَطليٌّ به القارُ، أجْرَبُ
ألمْ ترَ أنّ اللهَ أعطاكَ سورة ً ترى كلّ مَلْكٍ، دونَها،يتذَبذَبُ
فإنكَ شمسٌ ، والملوكُ كواكبٌ إذا طلعتْ لم يبدُ منهنّ كوكبُ
و لستَ بمستبقٍ أخاً ، لا تلمهُ على شَعَثٍ، أيُّ الّرجال المُهَذَّبُ؟
فإنْ أكُ مظلوماً ؛ فعبدٌ ظلمتهُ وإنْ تكُ ذا عُتَبى ؛ فمثلُكَ يُعتِبُ
هذه الأبيات أليست تدل على أن الشاعر قد كون شخصية مستقلة صحيح أنه استفاد من تجارب الشــعراء قبله و لكنه خرج من عباءاتهم ليرتدي عباءة جديدة هي عباءة النابغة الذبياني 0
قلت لصديق الشاعر هذا صحيح و يدعمه في الرأي أن المدرسة الأوسية التي أسسها أوس بن حجر و بشامة بن الغدير و كان من تلاميذها زهير بن أبي سلمى و أبناءه كعب و بجير و سلمى إضافة إلى الحطيئة و جميل بن معمر طبعت شعراء هذه المدرسة بصفات متشابهة إلى حد ما جعلت من الصنعة الشعرية عنصر استلاب لدى أعضاء هذه المدرســة فكانوا كلهم من الشعراء المحككين الذين لا يخرجون نصهم إلى الناس إلا بعد مراجعته مرات عديدة قد تستغرق حولاً كاملاً ومع ذلك بقيت شخصياتهم الشعرية مستقلة عن بعضها البعض فزهير لقم ثدي الشـــعر من خاله بشامة بن الغدير ومن زوج أمه أوس بن حجر و بقيت شخصيته مستقلة عنهما لأنه يأنف أن يستنبت شاعريته في رحم هذين الشـاعرين و لكن الحالة في أيامنا المعاصرة تختلف فالكثير من الشعراء لم يكملوا حملهم الشعري مدته الحقيقية فخرج الشعر لديهم سقطاً أو مشوهاً أو تراه أحياناً ناقص الأعضاء و ذلك بفعل مرور الشعراء بشخصياتهم على شخصيات الشعراء الآخرين دون أن يعتصروا منهم رحيق الشعر 0
اعترضني صديقي الشاعر حاتم قاسم رافعاً يديه بنقطة نظام و مقاطـعاً إياي أن مدارس الشعراء المعاصرين انتهجت أســلوباً مختلفاً و مزجت ثقافتها العربية بثقافة غربية كمدرسة شعر و جماعة ( أبلو ) و مدرسـة شعراء المهجر الشمالي و قد برز منهم شعراء ميزوا أنفســهم كيوسف الخال و إبراهيم ناجي و الشاعر القروي 0
قلت له و لكن الأمر يحتاج إلى تفصيل فلكل شاعر من هؤلاء الشـعراء شخصية مختلفة إذ أنهم بنوا شخصياتهم بشكل مستقل و الأمر الخطير في قطيع الشعراء المعاصرين الذين دخلوا عالم الشعر دون أن يتمكـنوا من أدواتهم الشعرية فجاءت أشاعرهم عينات مليئة بالشــوائب بحـيث تجد و أنت تتصفح القصيدة الواحدة مجموعة شخصيات لشــعراء اختزنتهم ذاكرة الشاعر الذي اقتبس هذه الشخصيات كما هي دون أن يدخلها فرنه الذري و يصهرها ثم يحولها إلى مادة جديدة تستقي من شخصيته طابعاً جديداً يلغي تلك الشخصيات من النص الذي كتبه هذا الشاعر 0
قال لي صديقي الشاعر حاتم قاسم تعقيباً على ما قلته و أنا أضيف إلى ذلك هذه الترجمات المشوه للأشعار الغربية أســهمت في التأثير على مفردات أولئك الشعراء الذين استنبتوا في أرحام هذه القصائد المترجمة ناهيك عن دعوة بعض الشعراء إلى الكتابة دون الالتزام بقواعد اللغة و هذا ما يؤكد هذا الاستنبات الذي جعل الشـــاعر يبني نصه بناءً غير متجانس و هذا ما أشرت إليه من عدم امتلاك هؤلاء المستنبتين لأدواتهم الشعرية 0 و لو قرأت الكثــير من النصــوص الملقاة على أرصفة الصفحات الأدبية لوجدت غموضاً مســتغلقاً يغلف الكلمات يحتاج إلى بصارة نقدية قد تفك طلاسمه و قد لا تســتطيع فك هذه الطلاسم 0
قلت له قبل أن نختم حوارنا : إن العصــر الذي نعيشه أفرز الكثير من المهوشين على الفن الشعري و الذين ليــس لأحدهم أي علاقة بالموهبة الشعرية و لكنه هاو من الهواة يحب أن يتلقى الشعر و بفعل فاعل أصبح محرراً لصفحة أدبية أو موظفاً في مؤسسة أدبية جعلته يبحث عن طريقة يستنبت فيها هواياته لتصبح اختلاساً لكثير من الجمل الشعرية التي ينظم بينها بخيط واه فتبدو و كأنها عقد من اللؤلؤ و لكنك إذا ما أمسـكت بها لتتأكد من أدوات صناعتها انفرط العقد بين يديك و ظهــر بريق حبات اللؤلؤ المزورة لتعود من جديد إلى مادتها الأولى 0
حسين علي الهنداوي