اليوم هو يوم التنفيذ .. وأسامة جاهز للإنطلاق .. بل قل جاهز للموت .. بل قل للشهادة .. فهو قد أعد عدته مع إخوانه وتهيأ ..
عبوة التفجير - التي اشتروا مكوناتها من ذلك اليهودي النجس الذي لا يعرف من دينه ولا دنياه إلا المال – قد جهزت تماما ووضعت بين ثنايا تلك السترة الشتوية السميكة .. والصاعق قد وضع في متناول يديه الإثنتين داخل جيبيه الأيمن والأيسر لكي يستطيع سحبه في أشد الاحتمالات قتامة.. والعبوة قد ملئت بالمسامير وقطع الفولاذ الحادة والزجاج لتفتك بأكبر قدر من الكفرة الأنجاس ..
إنه الآن يتمشى ويفكر كيف مضت سنواته التسعة عشر بهذه السرعة لتصل به إلى تلك اللحظات الحاسمة .. حلقة هائلة من الأفكار المتسارعة .. ولكن فكرة اللحظة الحاسمة القادمة هي أولى هذه الأفكار وأشدها تركيزا ووطأة على حواسه ومشاعره ..
الحمد لله .. ها أنا قد اجتزت الحاجز الأول ولم يستطيع أبناء القردة والخنازير التعرف على حقيقتي .. فلقد كان التغيير الذي فعلناه بهيئتي متقنا جدا .. شاب طائش يتراقص في مشيته.. بشعر طويل أشقر يناسب بشرته البيضاء أصلا و ضفيرة مجدولة للوراء .. لحية قصيرة جدا كأنها قد نبتت بالأمس تشبه لحى ممثلي الكاوبوي .. بنطال من الجينز من ماركة ليفيزممزق عند الركبتين يلفه حزام جلدي غالي الثمن وزوج من الأحذية الرياضية التي يلبسها لاعبو السلة..
وفي الأعلى سترة شتوية سوداء لتبدو أقل اتساعا مما هي عليه في الحقيقة .. وفي أذنيه سماعات مرتبطة بجهاز تسجيل وكأنه يستمع إلى أغنية صاخبة ..
شعور الأنس بالله وحمده يطغى على مشاعر القلق والخوف .. الخوف من العقبات التي قد تعترضه .. والخوف من تلك اللحظة الحاسمة وما يتبعها من حياة بعد تلك الحياة .. شعور الأنس و الحمد يطغى أيضا على مشاعر الحزن والأسى لترك الأهل والأحباب .. ويطغى على الذكريات التي تمور في رأسه مورا .. ويطغى أيضا على مشاعر الكراهية والعداء لأعداء الله ..
مشاعر عجيبة هذه التي تدفع الإنسان إلى أشد ما يكرهه ولا يحب حتى ذكره .. كيف يتحول ذلك الانسان الضعيف بمشاعر الخوف والألم والحزن إلى طاقة هائلة جبارة تدمر كل شيء باذن ربها ..
كيف تسير كل هذه المشاعر المتنافرة جنبا إلى جنب داخل تلك الكتلة البشرية الواحدة .. فيكمل المشوار وتسير قدماه به نحو هدفه لا يحيد ولا يميد ..
إنه يقترب ويقترب .. هدفه موقف الركاب ذاك الذي يغص بالجنود من أبناء القردة والخنازير وأبناء عمومتهم في ذلك اليوم من أيام اجازاتهم المعتادة بعد الهدوء الذي طال قليلا فظنوا أنه نهاية المقاومة ..
إنه يقترب من الجنود وقد أنسوا برؤيته يتهادى في مشيته ملفتا أنظارهم بمظهره المميز .. وبعض الحسناوات من الجنديات ينظرن إليه مبتسمات يلتمسن منه التفاتا أو نظرة .. إنه ينظر إليهن ولكنه لا يرى أمامه غير الجنة والحور العين ..
اللحظة الحاسمة تقترب ويديه داخل جيوبه تتلمس الصاعق .. شخص يناديه من بعيد .. قف لا تقترب .. أنا مسؤول الأمن هنا .. قف .. أعطني هويتك .. قف .. سأطلق عليك النار .. فتزيده تلك الصيحات اصرارا وينطلق نحو الجمع الكافر بكل قوته بسرعة هائلة لا تمكن رجل الأمن ذاك من اصابته .. فيصل إلى قلب الجمع ..
ويسحب الصاعق