لعلي أقتنم هذه الفرصة الخاطفة ـ التي أتحتها لنا أستاذتنا الأخت أميمة ـ لأسرد لكم بعض ما ينقل عن الخطاطات المجيدات ، وسأتحدث بالتفصيل عن بعضهن في موضوع مستقل .
كان للمرأة حضورها في تعلم هذا فن الخط العربي منذ صدر الإسلام ، فيذكر لنا المؤرخون مجموعة من النساء ممن عُرفن بحسن الخط وإتقان الكتابة في تلك الفترة منهن : ( عائشة بنت سعيد بن أبي وقاص، وكريمة بنت المقداد، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وهند بنت أبي سفيان، والشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية - والشفاء لقب لها- تعلمت الكتابة من معاوية ويزيد ابني أبي سفيان ) كانت تكتب في الجاهلية، أسلمت قبل الهجرة، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرات الأُول، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر حديثا توفيت نحو سنة 20 هجرية.
وتستمر مسيرة الخط وتبرز في كل مرحلة تاريخية بعض الخطاطات اللواتي جوَّدن الخط، وعُرفن بحسن كتابتهن، وبعضهن درس على يد آبائهن أو أزواجهن، فيذكر أن الفقيه أحمد بن علي الفاسي دخل مصر مع أولاده فصادف مجاعة فاشتغل بالنسخ وعلم زوجته وابنته الكتابة، فكانتا تكتبان مثل خطه ونسختا الكثير من الكتب بالأجرة.
واستهوى فن الخط "مريم بنت مصطفى" فزاوجت بين الحرف وبين استخدامه كوحدة زخرفية بشكل مبسط، ومن أشهر ما كتب بخطها كتاب مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي.
وممن اشتهرن بحسن خطهن "سيدة بنت عبد الغني" من غرناطة، ولدت بتونس أوائل القرن السابع الهجري، اعتنى والدها بتربيتها وتعليمها ليؤهلها لحرفة تعليم النساء فتضمن بذلك رغد العيش. حفظت القرآن، وتلقت بعض العلوم، وجودت الخط، ونسخت بخطها كتبًا كثيرة. أقعدت فلزمت دارها ثلاثة أعوام وأنابت في التعليم ابنتها، توفيت سنة 647 هجرية، ويروى أنها كانت تتبرع بكل ما تتقاضاه من أجر تعليمها، وما ينالها من الجوائز الملوكية للفقراء وأسرى المسلمين .
لقد كانت معظم النساء في عصورنا السابقة متعلمات يجدن القراءة والكتابة.
ويفهم مما ذكر في ترجمة "سيدة بنت عبد الغني" أن تعليم النساء حرفة كان لها أجر، وتختص بهذه الحرفة نساء عالمات جليلات، بل إن منهن من أشاد بهن علماء الأمة.. كشهادة ابن حبان القرطبي لـ "عائشة بنت أحمد القرطبية" التي قال عنها: "إنه لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها علمًا، وفهمًا وأدبًا وعزًا، كانت تمدح ملوك الأندلس، حسنة الخط، تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب، وتعنى بالعلم، ولها خزانة علم كبيرة، توفيت سنة 400 هجرية، وقال علماء المغرب في وصف عائشة : "كانت أديبة أريبة، فصيحة، كان لها خط حسن، كتبت يتيمة الدهر بخطها، في ثمانية عشر جزءًا، وهي محفوظة ببجاية بالمغرب"، وكتبت "عائشة بنت يوسف بن أحمد الباعونية"، وهي من قرية باعون بشرق الأردن، بخطها مؤلفاتها، ومنها: "البديعية" و "الملامح الشريفة في الآثار اللطيفة" و "فيض الفضل" والأخير محفوظ في دار الكتب المصرية، وعائشة الباعونية شاعرة، وأديبة، وفقيهة أجيزت في الإفتاء والتدريس، وعاشت معظم حياتها في دمشق، ورحلت إلى مصر حيث قضت بها بضع سنين، توفيت سنة 922 هجرية.
ووصلت إلينا بعض المخطوطات والرقع الخطية مجهولة الناسخ، ولما تم فحصها تبين أن بعضها يعود لخطاطات لم يذكرن أسماءهن الصريحة، واكتفين بذكر اسم العائلة أو الزوج أو الكنية منهن "أم الخير بنت أحمد عيسى"، و"زوجة السردار عبد القدوس" خان معتمد الدولة الأفغانية، التي كتبت سورة الفاتحة بخط التعليق وزينتها بالزخارف الملونة، وكذلك "زين النساء اور" التي كانت توقع بأسماء مستعارة، ولعل ذلك يرجع إلى الحياء الشديد والعفة التي ترسخت لدى المرأة المسلمة عبر عصور التاريخ الإسلامي.
ومن الأخبار الطريفة عن الخطاطات خبر الخطاطة "بنت خداوري" والتي استدعاها وزير الملك الكامل الأيوبي من الإسكندرية، وقد كانت هذه المرأة من غير يدين!! فجيء بها بين يدي الوزير ابن رضوان، فعرفته أنها تعمل برجليها ما تعمله النساء بيديها من خط ورقم، فأحضر لها دواة فتناولت برجلها اليسرى قلمًا فلم ترضَ شيئًا من الأقلام المبرية التي أحضروها، فأخذت السكين وبرت لنفسها وشقت رأسه، وأخذت ورقة فأمسكتها برجلها اليسرى وكتبت باليمنى أحسن ما تكتبه النساء بأيديهن!!
وأخيرًا فإن في خطوط النساء رونقًا ورشاقة إذا كانت المرأة حسنة الخط، ، وهذا وما وصف به خط النساء من قِبل مشاهير علماء المسلمين .