وأبدأ بالرد على العزيز "جوتيار" مبدية إعجابي بالسؤال الذي طرحه وهو:" هل الماهية تسبق أم الهوية؟
وقد تفضل الأخ كنعان بالإجابة قائلا إن الماهية تسبق الهوية..ولكن هذا الرد أثار تساؤلا لدي إذ حيرني أمر أسبقية الماهية على الهوية ..مع العلم أن لفظ الماهية ولفظ الهوية هما مجرد إجراء لغوي للدلالة على شيء نستطيع التمييز بينه وبين شيء آخر..فالقول بأسبقية الماهية على الهوية هل المقصود بها أسبقية لغوية أم أسبقية وجودية؟
إذا كانت المسألة تتعلق بالأسبقية الوجودية فيمكن القول بان كل موجود يوجد يحمل صفات خاصة به لاتتغير جوهريا مثل قولنا إنسان كائن بيوثقافي.
فالثقافة هي ماهية الإنسان في حالة ما إذا اعتبرنا ما هو بيولوجي يشترك فيه الإنسان مع كائنات تملك نسبة عالية من الإدراك والقدرة على المحاكاة..ولا شك ان من له هوية هو في نفس الوقت من يملك صفات أساسية جوهرية تميزه عن غيره فمثلا البقرة لا يمكن أن تكون بقرة وتكون شيئا آخر..
المشكلة هي هل يمكن اعتبار الماهية مطابقة في معناها لمعنى الهوية..؟
لابد من وجود حد فاصل بين لفظ الهوية والماهية.
إن مبادئ أرسطو الأربع تنص على أن:
لكل شيء ماهية أي جوهر ولكل جوهر صفات أو هوية بمعنى أن تلك الصفات هي هي رغم ما يحصل فيها من أعراض فبزوال الأعراض نحصل على أصل الشيء لأن الأعراض ليست جوهرية ولو كانت جوهرية لاعتبرت ماهية لأنه بزوالها يفقد الشيء ذاته وهويته..
المبدأ الثاني ينص على مبدأ عدم التناقض الذي يلتزم به العقل القادر على التمييز بين ما يتم استنتاجه وعلاقته المنطقية بما سبقه..
فلا يمكننا أن نستنتج من قول ما يبدأ باعتبار" كل إنسان فقير / سقراط إنسان/ أن سقراط ليس فقيرا "..فهذا الاستنتاج "سقراط ليس فقيرا" سيكون متناقضا مع التعريف الذي حددناه في المقدمة الكبرى "كل إنسان فقير" وفي الحد الأوسط " سقراط إنسان.." فما يلزم منطقيا هو القول بأن سقراط فقير حتى تكون النتيجة غير متناقضة عقليا مع المقدمات.
المبدأ الثالث وهو مبدإ الثالث المرفوع.. فبين الخطأ والصواب لايوجد وسط فالنتيجة إما صواب أو خطأ أو بلغة "جورج بوش" إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا ولايمكن أن تكون معنا وفي نفس الوقت ضدنا..
المبدأ الرابع وينص على أن لكل شيء سبب فمثلا الدخان سببه النار وأن النار هي سبب تصاعد الدخان..فكل شيء يلقى في النار سيحترق وسيتصاعد منه الدخان..
إذا انطلقنا من هذه المبادئ الأربع نجد أنها كانت المنهج الفلسفي الذي أنتج الفلسفة الأرسطية..وأن الفلسفة أنتجت في نفس الوقت هذا المنهج ..
فكيف تكون الفلسفة منتجة لذاتها وفي نفس الوقت لكل المعارف التي تنشأ عن هذه الذات؟
ما هي طبيعة الذات الفلسفية؟ هل يمكن تعريفها؟
جرت العادة عند تعريف الفلسفة القيام بفعل الفصل بينها وبين العلم
فكيف تم التمييز بينهما؟ هل بينهما انفصال أم اتصال؟
سيقول عالم الرياضيات أن العلوم الرياضية تختلف عن الفلسفة لأن لغة الفلسفة لغة تظل غامضة غير قابلة للقياس الرياضي..
لكن من أسبق في الوجود الرياضيات أم الفلسفة؟
إن الفيلسوف الذي يدعو الفلسفة أن تكون قضاياها دقيقة وبسيطة ومبرهن عليها هو بالضرورة فيلسوف لأنه يميز بين نموذجين من التفكير نموذج عقلاني برهاني ونموذج آخر لايتميز بنفس الصفات..إن هذا الفيلسوف لا يعي أنه فيلسوف ..فكل من يتخذ فكرا ما موضوعا للنقد والتحليل والشك هو في ذات الوقت يستخدم أليات جوهرية للتفكير الفلسفي ..وهي سمات تجمع بين الفيلسوف والعالم..لكن العالم الذي يسخر من الفلسفة ويفضل عليها العلوم فهو جاهل بطبيعة التفكير الفلسفي وبقيمته وغايته الإبداعية.
إن الفنان ليس عالما ولكنه فيلسوف والفيلسوف فنان بقدر ما هو عالم وأديب وسياسي وكل شيء ..
ليس عالما من يجهل الفلسفة والفن وليس فيلسوفا من يجهل العلم ومناهجه والأدب وفنونه..
يبقى ان نتساءل عن علاقة الفلسفة بالدين..فلنترك ذلك لوقت آخر..
الردود الأخرى جاءت متضمنة في سياق الموضوع..