المُحْسِن الكبير !!
قصة قصيرة
كانت أنفاسُه تتلاحق حتى لكأن هواء السيارة الأجرة التي يستقلها يدخل كلُّه إلى رئته ، وضع يده على جيب الجاكت وأخذت الصور تمر على مخيلته ، صورة الصراف الذي تفنن في كيفية خداعه ، وصورة المبلغ الكبير الذي سرقه من خزينة المصنع الذي يعمل به ، كان قلقا ، يبحث في وجوه الركاب عن أي نظرة شك ، اطمأن قليلا حين تحركت السيارة من موقف السيرفيس ، لكن ما لبث أن أحس بألمٍ شديدٍ في كتفه الأيسر وكأنّ سكيناً يخترق قلبَه ، أنسته همومُه تناولَ أقراص الضغط ، صاح من شدة الألم ، سأله الجالسُ بجواره عن ما يحس به ، لم يستطع الرد ، تسابقت قطراتُ العرق المتصبب من جبينه إلى قميصه ، مدَّ الجالسُ بجواره يدَه وفتح شباكَ السيارة المجاور للرجل طمعا في بعض الهواء المنعش،جحظت عينا الرجل من صعوبة الألم أكثر من مرة ، احتقن وجهُه ، طلب أحد الركاب من السائق إيقاف السيارة لإسعاف الرجل ، طلب راكب آخر التوجه لأقرب مستشفى ، مد راكب ثالث يده يتحسس نبض الرجل :
- أنا طبيب .. افتحوا باقي الشبابيك .. ربما أسعفناه
جحظت عينا الرجل مرة أخرى ومده يده لجيبه ، سبقته يد الطبيب لعمل تدليك للقلب ، حاول الرجل الإمساك بالمبلغ المسروق يريد أن يتخلص منه ، وقف بجوار الشباك سائل كبير السن:
- ساعدوا الفقير .. لله
أمسك الرجل المبلغ المسروق بيده ولم يستطع إخراجه
- الحالة صعبة فعلا ...... إنه يحتضر
انتفض جسد الرجل بشده ثم صمت لافظا أنفاسه الأخيرة
نطق الركاب جميعا بالشهادتين من جلال الموت ، أخرجوا يده من جيبه فخرجت بالمبلغ الكبير ، عرفوا عنوانه من بطاقته الشخصية ، اصطحبوا الجثمان لأهله ، وهم يتحدثون عن المحسن الكبيرالذي كان ينوي إخراج هذا المبلغ الكبير للسائل ، بكت زوجته بشدة عندما رأت الجثمان ، تناقل الناس أخبار الصدقة الأخيرة للمتوفي ،تعددت حكايات جوده وكرمه ،استلمت أرملته المبلغ الذي كان بيد زوجها ، ووسط سيل دموعها أبصرت صور الأجهزة الكهربائية الناقصة في جهاز ابنتها !!