أحدث المشاركات

لبنان» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» تعقيبات على كتب العروض» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» نظرات فى تفسير سورة الإخلاص» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: محمد نعمان الحكيمي »»»»» الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!» بقلم ابو الطيب البلوي القضاعي » آخر مشاركة: ابو الطيب البلوي القضاعي »»»»» الخِصال السّبع» بقلم مصطفى امين سلامه » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رباعيات للشاعر صلاح چاهين» بقلم سالى عبدالعزيز » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» المعاني النحوية - رأي في آيات زوال الكيان الصهيوني» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» من هو السامري - رأيي» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» دفق قلم القرآن والإنصات» بقلم نورة العتيبي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: طحالب الانتظار

  1. #1
    الصورة الرمزية حنان الاغا في ذمة الله
    أديبة وفنانة

    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : jordan
    المشاركات : 1,378
    المواضيع : 91
    الردود : 1378
    المعدل اليومي : 0.21
    من مواضيعي

      افتراضي طحالب الانتظار

      طحالب الانتظار


      جاء الخوف مبكرا في ذلك الصباح .. أطل مع خيوط الفجر الأولى ، مدججا قرع الباب
      قرْع الواثق من فتحه ، بل من اقتناص من خلفه.
      فُتح الباب ، وكان هو ، وقف في حلق الباب جسدا مصلوبا متأرجحا كالواقف فوق خيط رفيع ومن تحته هوة سحيقة ، ينظر يمنة فيجد واحة من الأمان والحنان ، وينظر
      يسرة فيجد القسوة والبغض فما واسعا يستعد لابتلاعه.
      بين الأم التي تشبثت بذراع وحيدها ، وبين الخوف المدجج الذي تشبث بالأخرى ، كان هو ، الروح والعقل وباقي الجسد وسط لعبة تشبه لعبة شد الحبل التي كان يلعبها عندما كان تلميذا في حصة الرياضة البدنية .كان فريقه يغلِب تارة ويُغلب تارة أخرى ،
      ولكنه الآن في هذه اللحظات يعلم تماما لمن ستكون الغلبة، بالتأكيد لن تكون للحب والأمان في زمن الرعب والشك وتغيير المسميات ، الزمن الذي انتفت فيه البراءة
      ونام فيه العقل، واستقال فيه المنطق ، وتلبست شياطين القهر فيه أرواح البشر ، بحيث أصبح الجدار أذنا والنافذة فما والباب أغلالا تسوق الروح والجسد إلى قيعان
      غائرة مجهولة لها جدران كابية لا شكل لها ولا لون إلا ما تسمح بتزييفه العتمة
      من أخْيلة تثير الريبة في ما تبقّى من شعاعات الروح القانتة إلا من رحمة إلهية .
      حرك ظهره وفركه بالجدار الفاقد اللون ، ربما أراد أن يتأكد من أن مجسات الحس ما
      تزال تعمل في جسده المنهك.
      رفع كفّيْه إلى جانبيْ رأسه كأنما يكبّر للصلاة ، ولكن ساعته الحيويّة ما تزال تعي
      أن الوقت ليس وقت صلاة .. كما أن ساعة الظل _الذي بالكاد يسير على الكيانات
      اللزجة حوله _ قد اقترحت ذلك أيضا، فأمسك رأسه بين راحتيه بحرص كمن يمسك إناء نفيسا يحتوي على أكسير الحياة ..لم يتبقّ إلا محتويات هذا الإناء ولن يفرط فيها ،
      فالروح انتكست قلقا وفقدا وانتظارا ، والجسد انتهك ضربا وذلا وجلوسا إلى الجدران
      التي أخذت تزهو يوما بعد يوم مع شبح ضوء يتراءى كل صباح ، ويوحي بلون الطحلب الذي يغشاها .
      تحسس الرأس بحب يخبئه عميقا في أغوار تكوينه ، في بقعة ما تزال نظيفة طاهرة
      في نخاع عظمه ، وهمس دون أن يحرك شفتيه - لو بقيت أنت فقط فنحن ، أنا وأنت بخير .
      حاول أن يتبين الأرقام التي حزّها بأظافره على الجدران أثلاما في طبقة الطحلب ،
      والتي حرص على تعميقها كي تبقى مقروءة أو ملموسة حتى ، فيما لو فكرت
      الطحالب القميئة أن تنمو وتطول وتملأ الأثلام . قرأ الأرقام بأطراف أصابعه برشاقة مستَغرَبة في مثل هذا الوضع ، وأحس بقلبه يهوي ، وبنبضه يتسارع . تكلم إلى عقله
      بهمس - لو كانت حاسة اللمس لدينا ما تزال سليمة فقد اقترب الضوء ، واقتربنا من الحب والحُر..... وأحس بدوامة تجتاح الجسد الهزيل ، وتخيّل أنه في عُرض البحر ،
      استسلم لها وهو يستمع إلى صدى قعقعة المعدن من بعيد.ها هو يحرك ظهره الملتصق بالجدار ، جدار الأرقام فينمحي بعضها ويدمج بعضها بالآخر . ما هَمَ
      وقد حان الوقت ..
      فَرَدَ جسده بصعوبة وهو يدندن على صوت القعقعة ، وهو الصوت ذاته الذي طالما أبكاه طيلة أرقام كثيرة مرت عليه دون أن يدري حقيقة ما جاء به إلى هنا ، وحقيقة ما سيخرجه من هنا بعيدا إلى حضن أمه .
      استرخى الجسد تماما على إيقاع الصوت الآتي من بعيد ، واسترخى الجفنان وأُغمِضت العينان على صورة آت قد لا يأتي
      ______________
      حنان الأغا
      2006

    • #2
      أديب
      تاريخ التسجيل : Apr 2006
      المشاركات : 9,079
      المواضيع : 101
      الردود : 9079
      المعدل اليومي : 1.34

      افتراضي

      حنان........

      دائما اجدني امام واقع اتهرب منه...لكنه واقع لايريد ان يهرب مني لانه يجيد ادخالي في متاهات اللاوجود واللاشيء..اللذان اجيدهما انا.
      الانسان عندما يفكر باصلاح واقعه الارضي انما يفعل ذلك باسم ضرورة الحياة من حيث ان المجموعات الانسانية الممزقة لاتقوى على ايجاد حل او مخرج امام الموت،والاصلاح الذي يتم هو ازالة كاملة وجذرية لدعاة الحياة السطحية الغير مكترثة لاعماق الحياة الانسانية.
      وقلما نجد من يفكر..بذلك...الوقت لايسعف..والاصوات تزداد انينا..ولاشيء هو الباقي .

      عذرا حلقت بعيدا...

      محبتي لك
      جوتيار

    • #3
      الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
      تاريخ التسجيل : Sep 2005
      الدولة : الحبيبة كــويت
      العمر : 38
      المشاركات : 10,147
      المواضيع : 309
      الردود : 10147
      المعدل اليومي : 1.45

      افتراضي

      الكاتية المبدعة حنان:
      قصة جميلة
      أبدعت هنا بما حمله حرفك من معنى وفكرة
      تعودنا منك دائما على الإبداع الذي تبهرينا به
      رائعة بحق
      دام قلمك بألق
      لك خالص إعجابي وتقديري وباقة ورد وفلنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    • #4
      شاعرة
      تاريخ التسجيل : Jun 2006
      العمر : 54
      المشاركات : 3,610
      المواضيع : 421
      الردود : 3610
      المعدل اليومي : 0.54

      افتراضي

      ربما يحتفظ كل منا بحيز يشبهه...او ربما كان شيئا من نفسه...حبيسون نحن عندما نسبح في فضاء الذكريات مؤلمة اكثر من وقعها المرير...فعلا حلقت كذلك معها كثيرا
      ابداااااااااااااااااااع
      فرسان الثقافة

    • #5
      الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
      تاريخ التسجيل : Dec 2005
      الدولة : InMyHome
      المشاركات : 5,766
      المواضيع : 83
      الردود : 5766
      المعدل اليومي : 0.84

      افتراضي

      حنان حرفك جميل فقط لاغير
      اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

    • #6
      الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : Mar 2006
      الدولة : مصر+ الكويت
      العمر : 47
      المشاركات : 1,087
      المواضيع : 110
      الردود : 1087
      المعدل اليومي : 0.16

      افتراضي

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      الأستاذة الفنانة / حنان
      مداخلات :
      النص لمحته من النوع الدائري الغارق في فلسفة النفس ، والغير ، والواقع ، بدأت القصة بمجهول متغير ، وانتهت بمجهول ثابت ...
      (فُتح الباب ، وكان هو ، وقف في حلق الباب جسدا مصلوبا متأرجحا كالواقف فوق خيط رفيع )
      إلى ......
      (استرخى الجسد تماما على إيقاع الصوت الآتي من بعيد ، واسترخى الجفنان وأُغمِضت العينان على صورة آت قد لا يأتي)
      السؤل الذي يرسم نفس القارىء هنا :
      كيف أنه لم يأت وقد أتى بالفعل في البداية ؟!
      ولكن الإجابة مجهولة بالفعل ، وفقدناها جميعاً ، وإن وجدناها فأكيد نكون قد عثرنا على ما يحيرنا في هذه الحياة .
      دقة فوق الدقة :
      طحالب الإنتظار ، عندما نقرا كلمة طحالب تتداعى علينا معان كثيرة ، ( اللون الأخضر / اللزوجة/ البحر/ الدقة )
      اللون الاخضر خير ... اللزوجة هي سطوة ... البحر هو الغيب ، الدقة تشعرنا بالجهل وتقدم الآخرين .
      أما عن إلصاق الطحالب بالانتظار ، فأظن لأننا ننتظر الخير ، ووننتظر تحررنا من السطوة ، وننتظر الغيب ، ونرقى للتقدم )
      لكننا ننتظر شيئاً قد لا يأتي ....
      الأديبة حنان .... هكذا فسرتها
      لك تق
      ديري

    • #7
      الصورة الرمزية ابن الدين علي قلم نشيط
      تاريخ التسجيل : Sep 2006
      الدولة : الجزائر
      المشاركات : 559
      المواضيع : 113
      الردود : 559
      المعدل اليومي : 0.08

      افتراضي

      الأستادة حنان .القصة ليس فيها ما يشوبها على الأقل بالنسبة لي . و لكن ما لفت إنتباهي هو مسحة الحزن التي أقرأها في معظم المواضيع.تقريبا كل مبدعي العالم العربي لا يتحدثون إلا عن الكآبة و في الكآبة. هدا يعكس نفسيتنا التي تتأثر بالواقع.

    • #8
      الصورة الرمزية حنان الاغا في ذمة الله
      أديبة وفنانة

      تاريخ التسجيل : Nov 2006
      الدولة : jordan
      المشاركات : 1,378
      المواضيع : 91
      الردود : 1378
      المعدل اليومي : 0.21
      من مواضيعي

        افتراضي

        اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
        حنان........
        دائما اجدني امام واقع اتهرب منه...لكنه واقع لايريد ان يهرب مني لانه يجيد ادخالي في متاهات اللاوجود واللاشيء..اللذان اجيدهما انا.
        الانسان عندما يفكر باصلاح واقعه الارضي انما يفعل ذلك باسم ضرورة الحياة من حيث ان المجموعات الانسانية الممزقة لاتقوى على ايجاد حل او مخرج امام الموت،والاصلاح الذي يتم هو ازالة كاملة وجذرية لدعاة الحياة السطحية الغير مكترثة لاعماق الحياة الانسانية.
        وقلما نجد من يفكر..بذلك...الوقت لايسعف..والاصوات تزداد انينا..ولاشيء هو الباقي .
        عذرا حلقت بعيدا...
        محبتي لك
        جوتيار
        ____________________________--
        جوتيار
        مساء طيب وتحية من دمشق
        الواقع هو نحن فلا مهرب،
        والآتي يحمل احتمالات آكثر تنوعا فلا تقلق
        تحياتي ودم محلقا

      • #9
        الصورة الرمزية حنان الاغا في ذمة الله
        أديبة وفنانة

        تاريخ التسجيل : Nov 2006
        الدولة : jordan
        المشاركات : 1,378
        المواضيع : 91
        الردود : 1378
        المعدل اليومي : 0.21
        من مواضيعي

          افتراضي

          اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي مشاهدة المشاركة
          الكاتية المبدعة حنان:
          قصة جميلة
          أبدعت هنا بما حمله حرفك من معنى وفكرة
          تعودنا منك دائما على الإبداع الذي تبهرينا به
          رائعة بحق
          دام قلمك بألق
          لك خالص إعجابي وتقديري وباقة ورد وفلنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
          __________________________
          سحر الليالي
          أرجو المعذرة عزيزتي للتأخير فأنا في إجازة وحيث أنا أجد صعوبة في الدخول إلى الشبكة
          يسعدني جدا تواجدك حيث كلماتي
          تحياتي لك

        • #10
          الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
          في ذمة الله

          تاريخ التسجيل : May 2006
          الدولة : محارة شوق
          العمر : 65
          المشاركات : 3,523
          المواضيع : 160
          الردود : 3523
          المعدل اليومي : 0.52

          افتراضي

          اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان الاغا مشاهدة المشاركة
          طحالب الانتظار
          جاء الخوف مبكرا في ذلك الصباح .. أطل مع خيوط الفجر الأولى ، مدججا قرع الباب
          قرْع الواثق من فتحه ، بل من اقتناص من خلفه.
          فُتح الباب ، وكان هو ، وقف في حلق الباب جسدا مصلوبا متأرجحا كالواقف فوق خيط رفيع ومن تحته هوة سحيقة ، ينظر يمنة فيجد واحة من الأمان والحنان ، وينظر
          يسرة فيجد القسوة والبغض فما واسعا يستعد لابتلاعه.
          بين الأم التي تشبثت بذراع وحيدها ، وبين الخوف المدجج الذي تشبث بالأخرى ، كان هو ، الروح والعقل وباقي الجسد وسط لعبة تشبه لعبة شد الحبل التي كان يلعبها عندما كان تلميذا في حصة الرياضة البدنية .كان فريقه يغلِب تارة ويُغلب تارة أخرى ،
          ولكنه الآن في هذه اللحظات يعلم تماما لمن ستكون الغلبة، بالتأكيد لن تكون للحب والأمان في زمن الرعب والشك وتغيير المسميات ، الزمن الذي انتفت فيه البراءة
          ونام فيه العقل، واستقال فيه المنطق ، وتلبست شياطين القهر فيه أرواح البشر ، بحيث أصبح الجدار أذنا والنافذة فما والباب أغلالا تسوق الروح والجسد إلى قيعان
          غائرة مجهولة لها جدران كابية لا شكل لها ولا لون إلا ما تسمح بتزييفه العتمة
          من أخْيلة تثير الريبة في ما تبقّى من شعاعات الروح القانتة إلا من رحمة إلهية .
          حرك ظهره وفركه بالجدار الفاقد اللون ، ربما أراد أن يتأكد من أن مجسات الحس ما
          تزال تعمل في جسده المنهك.
          رفع كفّيْه إلى جانبيْ رأسه كأنما يكبّر للصلاة ، ولكن ساعته الحيويّة ما تزال تعي
          أن الوقت ليس وقت صلاة .. كما أن ساعة الظل _الذي بالكاد يسير على الكيانات
          اللزجة حوله _ قد اقترحت ذلك أيضا، فأمسك رأسه بين راحتيه بحرص كمن يمسك إناء نفيسا يحتوي على أكسير الحياة ..لم يتبقّ إلا محتويات هذا الإناء ولن يفرط فيها ،
          فالروح انتكست قلقا وفقدا وانتظارا ، والجسد انتهك ضربا وذلا وجلوسا إلى الجدران
          التي أخذت تزهو يوما بعد يوم مع شبح ضوء يتراءى كل صباح ، ويوحي بلون الطحلب الذي يغشاها .
          تحسس الرأس بحب يخبئه عميقا في أغوار تكوينه ، في بقعة ما تزال نظيفة طاهرة
          في نخاع عظمه ، وهمس دون أن يحرك شفتيه - لو بقيت أنت فقط فنحن ، أنا وأنت بخير .
          حاول أن يتبين الأرقام التي حزّها بأظافره على الجدران أثلاما في طبقة الطحلب ،
          والتي حرص على تعميقها كي تبقى مقروءة أو ملموسة حتى ، فيما لو فكرت
          الطحالب القميئة أن تنمو وتطول وتملأ الأثلام . قرأ الأرقام بأطراف أصابعه برشاقة مستَغرَبة في مثل هذا الوضع ، وأحس بقلبه يهوي ، وبنبضه يتسارع . تكلم إلى عقله
          بهمس - لو كانت حاسة اللمس لدينا ما تزال سليمة فقد اقترب الضوء ، واقتربنا من الحب والحُر..... وأحس بدوامة تجتاح الجسد الهزيل ، وتخيّل أنه في عُرض البحر ،
          استسلم لها وهو يستمع إلى صدى قعقعة المعدن من بعيد.ها هو يحرك ظهره الملتصق بالجدار ، جدار الأرقام فينمحي بعضها ويدمج بعضها بالآخر . ما هَمَ
          وقد حان الوقت ..
          فَرَدَ جسده بصعوبة وهو يدندن على صوت القعقعة ، وهو الصوت ذاته الذي طالما أبكاه طيلة أرقام كثيرة مرت عليه دون أن يدري حقيقة ما جاء به إلى هنا ، وحقيقة ما سيخرجه من هنا بعيدا إلى حضن أمه .
          استرخى الجسد تماما على إيقاع الصوت الآتي من بعيد ، واسترخى الجفنان وأُغمِضت العينان على صورة آت قد لا يأتي
          ______________
          حنان الأغا
          2006

          ===================



          القاصَّة المبدعة المتميزة حنان


          أرفع إليك أسمى تحية لهذه القصة المتميزة المتفردة التي جمعت بحذق بين الواقعية في المستوى الشكلي الظاهري والرمزية في مستواها الداخلي العميق .

          فبينما نحن نسترسل مع المستوى الواقعي تأخذنا القصة إلى المستوى الرمزي ببراعة وإتقان فنجد أنفسنا معها نعيش العالميْن معا.

          وأرى أن هذا يفسر مسألة تتابع المشاهد .

          فمنذ البداية نلمح الصراع بين : الآتي الثقيل : الخوف (وهو شعور) :
          " جاء الخوف مبكرا في ذلك الصباح .. أطلمع خيوط الفجر الأولى ، مدججا قرع الباب قرْعَ الواثق من فتحه" ،
          وشبح الضوء ،( وهو صورة رمزية للأمل الشفيف):
          "وجلوسا إلى الجدران التي أخذت تزهو يوما بعد يوم مع شبح ضوء يتراءى كلصباح ، ويوحي بلون الطحلب الذي يغشاها ."

          وبينهما :بطلنا الإنسان الذي كان طفلا، والأم التي تتشبث بذراعه وهي تصارع الخوف، والتي يتوق بطلنا (ابنها) فيما بعد إلى حضنها الحبيب.
          وأرى أن قراءة القصة في ضوء تيار الوعي الساري بها يجليها لنا قصة محكمة البناء ، سلسة السرد ، متتابعة المشاهد ، ليس بالمنطق الواقعي الظاهري ولكن بالمنطق الرمزي الكامن فيها والذي آثرته القصة تقنية لها.

          وتيار الوعي - كما يقول الدكتور محمد الحضيف - : "تقنية لعرض ما يرد في ذهن الشخصية كما هو.. منثالاً .. متداخلاً .. متتبعاً للتفاصيل.. مسترجعاً للأصوات...... تقنية تصور البطل من أعماقه .. متأملاً ذاته.. محاوراً لها .. متخيلاً .. مناجياً حتى الذين لن يسمعوه..".( انظر: الرمز وتيار الوعي في قصة .. :"زينب يعصرها الأسى" .
          )http://www.alhodaif.com/views.php?vw=1 (http://www.alhodaif.com/views.php?vw=1)

          وهذا ما أرى أن القاصة قد حققته هنا بتوفيق كبير . واستثمرت إمكاناته بفنية عالية.

          وقد أشارت الكاتبة نفسها إلى هذا باسلوب فني درامي موحٍ حين قالت :
          : ونام فيه العقل، واستقال فيه المنطق ، وتلبست شياطين القهر فيه أرواح البشر ، بحيث أصبح الجدار أذنا والنافذة فما والباب أغلالا تسوق الروح والجسد إلى قيعان".


          إن الذي استقال هنا هو المنطق الواقعي ليفسح المجال للمنطق الخيالي الذي يسيطر على القصة سردا وبناء، وتشخيصا وتصويرا ثم تشكيلا وتوظيفا. ليغوص في أعماق البطل ،
          وهو ما يفسِّر طبيعة الحركة في سياقها المتميز، وتتابع المشاهد فيها، وكأن المشهد يتولد مما سبقه كما يتجلى هنا :
          ".ها هو يحرك ظهره الملتصق بالجدار ، جدارالأرقام فينمحي بعضها ويدمج بعضها بالآخر".

          ومن هنا ندرك لجوء القاصة إلى عنصرين فنيين على مستويي التشكيل، والتوظيف في سياق القصة كأنهما صارا شخصين من شخوص القصة الأساسية من جهة ، ووسيلتين من وسائل البناء بما يمثلان من خيوط العقدة والحل معا :
          العنصر الأول: اللون:
          " ويوحي بلون الطحلب الذي يغشاها ."
          هكذا بدون تحديد للون ليختار القارئ اللون الذي يتسق مع رؤيته، غير ان هذا اللون يقوم بدوره في تجسيد رمز الطحلب الذي يدل على مدى قسوة الانتظار . وكأن القاصّة لم تشأ وصفه بالخضرة حتى لا تعطيه قيمة جميلة لا يستحقها.

          العنصر الثاني: الصوت:
          تفننت القاصة في توظيف الصوت واستثمار مستوياته كالهمس والإيقاع والقعقعة في السياق السردي ، مثل:
          "..... وأحس بدوامة تجتاح الجسد الهزيل ، وتخيّل أنه في عَرض البحر،استسلم لها وهو يستمع إلى صدى قعقعة المعدن من بعيد."
          ثم في الختام قائما بدوره التشكيلي والدرامي :
          "فَرَدَ جسده بصعوبة وهو يدندن على صوت القعقعة ،وهو الصوت ذاته الذي طالما أبكاه طيلة أرقام كثيرة مرت عليه دون أن يدري حقيقة ماجاء به إلى هنا ، وحقيقة ما سيخرجه من هنا بعيدا إلى حضن أمه . استرخى الجسد تماما على إيقاع الصوت الآتي من بعيد ، واسترخى الجفنان وأُغمِضت العينان على صورة آت قد لا يأتي ."
          وهكذا تمتد مساحة القصة في وجداننا كما امتدت في وجدان بطلها.


          أما فيما يتعلق بالزمن فقد أبدعت كاتبتنا في تصوير ساعات الانتظار الكئيبة الخانقة لا سيما على الأحرار الذين يتوقون إلى الانعتاق والتحرر من قبضتها
          لقد جسدتها هنا تجسيدا فنيا في صورة الطحالب اللزجة

          وهو اختيار موح جدا فهي بالرغم من هذه اللزوجة الخانقة فإنها ضعيفة جدا ، لا تتطلب إلا رغبة صادقة في التخلص منها!

          وهذا ما فعله البطل هنا لقد هم وصدق في همه فكان ما كان

          ومن هنا تجلت قيمة عنصر الزمن في هذه القصة الجميلة
          وقد حان الوقت ..

          نعم يا سيدتي
          لقد حان الوقت للانعتاق من قبضة الطحالب وليكن ما يكون

          أديبتنا الفنانة ، وقاصّتنا المبدعة:

          تحياتي لك وللجميع
          نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

        صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

        المواضيع المتشابهه

        1. طحالب
          بواسطة مصطفى السنجاري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
          مشاركات: 18
          آخر مشاركة: 03-07-2023, 01:06 PM
        2. طحالب الصبايا
          بواسطة عطية العمري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
          مشاركات: 6
          آخر مشاركة: 08-07-2006, 02:08 PM
        3. أتعرفين ؟ الانتظارُ مدمٍ
          بواسطة د . حقي إسماعيل في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
          مشاركات: 4
          آخر مشاركة: 21-12-2005, 10:47 PM
        4. رسالة حب على جدار الانتظار
          بواسطة رحاب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
          مشاركات: 18
          آخر مشاركة: 06-09-2003, 05:34 PM
        5. أنا عاشق قتله الانتظارْ
          بواسطة عمر الدمشقي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
          مشاركات: 4
          آخر مشاركة: 05-07-2003, 03:43 AM