وما تزال النوارس تركض خلف خيوط الشمس حتى آخر خلجات النهار , ليطويها المغيب إلى حين فجر جديد!
وما يزال البحر يحمل الفلك في أكف الرضى , و يفضي للشواطئ , هادئًً وادعاً حيناً , و هائجاً مائجاً أحايين أخر , لكنه لا يمل تجاوز موبق الصخور , ولا ينفك يطغى به مدٌ وينحسر به جزرٌ , ويبقى رفيقاً لصيقاً يدوم للشط ما دام تعاقب الليل والنهار ويدوم للفلك مادام نبض مداد البياض, و يفت ما شاء له العزم و التصميم أن يفت من قساوة الصخور , فتبدو حوافها متعرجة حادة مدببة الرؤوس , كأنها أسنة اجتمعت على صعيد واحد ترد غضبة الماء و ملوحته و مرار طعمه وامتداد أكفه !
أراك أيها البحر رغم تقلبك امتداد لانهائي للأحلام والأماني والرؤى, انصت لهمس أمواجك ترتمي برفق على ناعم الرمال في حنو وعشق سرمدي , وأعشقها تصفع قساة الصخور ... تلطمها في شجار بدأ منذ أول أشعة من فجر التاريخ, ولا يفكر بمهادنة أو سلام !
أصر أن أراك في الأفق ممتداً متسامقاً تلاصق السماء , تكاد تخترق عتبات الوقت , وأكاد اجزم انك فعلت ... ثم انثني عند عتبة الغياب , وتصر أن تلقي بي في مهب الظنون أدور في أفلاك الشك , و أمتاح من مناهل السراب, أراك في العمق ألوانا جديدة من الحياة والتنوع والتجدد , وأشكالا جديدة للاتساق , و أؤثت من تنوع أطيافك معان جديدة للغوص و الإبحار والحب والكراهية والسعة والحرب والسلام !
إليك يميني أيها البحر نتعاهد على سوق الأفلاك إلى معاقل الرضى, ونؤجج أسنمة الموج كلما حمي وطيس , ونفت ما نستطيع من قسوة الصخور !