أخي الحبيب / إدريس
تحية وسلام
" استاذي الحبيب .. لم افهم معنى هذا البيت ، لأنّني وجدت به ما يبدو شبه تناقض في المعنى إن صحّ زعمي بفهم المعنى .
إِنْ أَغْمَـدَ الغَيْـظَ الكَرِيـمُ بِحِلْمِـهِ ** حَاضَتْ إِنَاثُ غُرُورِهِ جَهْـلاً فَسَلَّـهْ
فهنا وصفت الموصوف بالكريم ثمّ رميته بالجهل و الغرور ، و هل يوصف الكريم بالجهل و الغرور ؟؟
ليتكم توضحون لنا المعنى ، شكر الله لكم ".
- لعلي أجيبك حبًا في التوصل الأدبي التحاوري , فدعنا نرجع إلى المقطع المتضمن البيتَ السابق , فالمقطع هو :
مِنْ كُلِّ مَنْ رَكـبَ البِغَـالَ يُظُنُّهَـا
تِلْكَ الخُيُولَ السَّابِحَـاتِ إِلَيـهِ قَبْلَـهْ
أَوْ مُـدَّعٍ صِـدْقَ الإِخَـاءِ وَكُلَّمَـا
عَقَدَ التَّـوَدُّدُ عُقْـدَةَ المِيثَـاقِ حَلَّـهْ
إِنْ أَغْمَـدَ الغَيْـظَ الكَرِيـمُ بِحِلْمِـهِ
حَاضَتْ إِنَاثُ غُرُورِهِ جَهْـلاً فَسَلَّـهْ
وَإِذَا أَرَادَ مِـنَ المَحِيـضِ تَطَهُّـرَاً
تَرَكَ الفُرَاتَ وَمَاءَهُ وَاخْتَـارَ بَوْلَـهْ
هِـيَ هَكَـذَا نَفْـسُ اللَئِيـمِ ذُبَابَـةٌ
حَطَّتْ عَلَى قَذَرِ الرُّبَى وَالوَرْدُ حَوْلَهْ
فالمقصود بالحِيضة والغرور والجهل هو اللئيم الموصوف قبل البيت بمدعٍ صدق الإخاء , وراكبٍ البغالَ , وقد صرح به الشاعر بعد أن استوفى بعض صفاتهِ ليضفيَ على المعنى قوةً وعلى الأسلوب إنجذابًا .. أمَّا الإغماد من قبل الكريم والسَلُّ من قبل اللئيم وورودهما في ذات السياق فهذا لاشتراك الغيظ بينهما والحديث عنه , فكلاهما يَغيظ فأمَّا الكريم فيغمده وأما اللئيم فيسلَّه والذَّكاء للشاعر في تعريف الغيظ بأل ليقصد جنس الغيض لا تعريف إضافة فيقصد غيظه وإلا لالتبس المعنى كأن يقول , إن أغمد الكريم غيظه سله اللئيم . فهذا لا يحتمل إلا أن يكون المسلول هو غيظ الكريم بسبب لؤم اللئيم , أمَّا أن يسله الكريم جهلًا وغرورًا فالمعنى يكون فاسدًا . والمعنى باختصار إذا شهر الغيظ بين الكريم واللئيم فإنَّ الكريم يغمده حلمًا وأمَّا اللئيم فيسله جهلًا ..
هذا فهمي للبيت حيث لم يلتبس علي وإلا فأنا واهم .
شكرًا لك على باعث القراءة الناجعة بإثراء الذائقة .
دمت ودام الجميع بخير